Anne Applebaum - Daily Telegraph


سيكون انتصار القذافي كارثة غير مسبوقة في العالم العربي وفي الخارج، وعندها، سيستنتج طغاة آخرون بأن مبارك وبن علي كانا على خطأ في مقاربتهما، وأن الوسيلة الفاعلة للبقاء في الحكم تقضي بالتصرف بوحشية وبقتل عدد أكبر من الناس، وتكمن المفارقة في أن انتصار القذافي سيكون كارثياً أيضاً على أوباما، إذ سيتهمه الثوار الليبيون بالتواطؤ مع القذافي بينما سيتهمه خصومه المحليون بالضعف.

هل المواقف الأميركية الأخيرة تشي بالجُبن، أم التردد، أم أنها استراتيجية دبلوماسية حذقة؟ تختلف التفسيرات التي نسمعها في واشنطن لتبرير صمت الرئيس باراك أوباما، حتى هذه اللحظة، بشأن أحداث ليبيا، بحسب الأشخاص الذين يُطرَح عليهم السؤال، فمنذ بدء الانتفاضة، اكتفى أوباما بإدلاء تعليق موسع واحد على الثورة الليبية، وكان موقفه هادئاً للغاية.

فأعلن- كما كان متوقعاً- أن الولايات المتحدة 'تدعم بشدة الحقوق العالمية للشعب الليبي'، وصرح أنه 'طلب من إدارته إعداد مجموعة خيارات شاملة للرد على هذه الأزمة'، ثم ختم قائلاً: 'التغيير الحاصل في أنحاء المنطقة يحدث بدفعٍ من شعوب المنطقة... لا ينجم هذا التغيير عن جهود الولايات المتحدة أو أي قوة أجنبية أخرى'.

تكشف هذه العبارة الأخيرة عن طريقة تفكير الرئيس... قد يبدو الأمر غريباً، لكن لا يتعلق الجدل القائم داخل الإدارة الأميركية بضرورة التدخل في ليبيا أو الامتناع عن ذلك، بل ترتبط المسألة الأساسية بالطريقة التي يمكن أن تساعد فيها الولايات المتحدة على هزم القذافي من دون إحداث أي أضرار جانبية، ومن دون وصف الثوار الليبيين بالدمى المتحركة في يد الأميركيين، فقد أبدى بعض الثوار الليبيين على الأقل عدم رغبتهم في حمل وصمة التبعية للأميركيين، وشكل شعار 'لا للتدخل الأجنبي: الشعب الليبي يستطيع تدبر أمره بنفسه' عنوان صفحة خاصة على 'الفيسبوك'... بعبارة أخرى، ولأن الأميركيين قادمون فلا أحد يريد أن ينضم من سكان طرابلس إلى مواجهة الدكتاتور.

حتى الآن، جاء رد الإدارة الأميركية بالتأكيد على ضرورة أن تطلق أطراف أخرى الخطوة التي يجب اتباعها، فقد تركت الولايات المتحدة بكل سرور مهمة اقتراح فرض منطقة حظر جوي أمام مجلس الأمن لفرنسا وبريطانيا، وقد سُرّ أوباما لرؤية نيكولا ساركوزي كأول رئيس يعترف بالمجلس الثوري في بنغازي، ولا شك أنه سُرّ أيضاً لدى سماعه أن ديفيد كاميرون تحدث بحزم أكثر منه، ومع أن أحداً لم يعلن الأمر صراحةً، فلا شك أن أوساط الاستخبارات الأميركية شعرت بارتياح كبير لأن فريق جهاز الاستخبارات البريطاني 'إم آي 6'، لا وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، هو الذي قاد أول محاولة للتواصل مع الثوار ميدانياً.

يُجمع مستشارو أوباما والمتحدثون باسمه ومعاونوه غير الرسميين على أن هذه السلبية في ردود الفعل ليست علامة ضعف بل استراتيجية متعمدة، ولا يعني ذلك أنه ينساق تدريجاً وراء أفكار كاميرون أو ساركوزي، بل إنه يريدهما أن يدليا بمعظم المواقف الشفهية، وصرح أحدهم لصحيفة 'واشنطن بوست'، يوم الخميس، بأن هذا الموقف يعبر عن مفهوم أوباما في ما يخص دور الولايات المتحدة في العالم، أي العمل من خلال المنظمات المتعددة الجوانب والعلاقات الثنائية.

لكن تكمن المشكلة في أن هذا المفهوم عن الدور الأميركي في العالم ليس جديداً أو فريداً من نوعه، فقد تبنى بيل كلينتون المفهوم عينه، أقله قبل أن يقرر قصف بلغراد لأنه لم يتمكن من دفع أي منظمات ثنائية أو متعددة الجوانب إلى القيام بذلك نيابةً عنه. يشمل هذا المفهوم خللاً كبيراً: خلال معظم فترات العقدين الماضيين، ثبتت استحالة إقناع الأمم المتحدة بتوقيع قرار لتنفيذ أي عمل دولي- سواء كان عسكرياً أو إنسانياً أو مالياً أو اقتصادياً- لأن قائدي روسيا والصين سيستعملان حق النقض أو سيسعيان إلى إضعاف أي قرار يدعو إلى التدخل في شؤون بلد معين، مثل فرض العقوبات على إيران أو فرض منطقة حظر جوي في السودان، وذلك خوفاً من اليوم الذي ستثور فيه شعوبهما ضدهما، فلم يُبْدِ الرئيس ولا وزير الدفاع حتى الآن أي اهتمام فعلي برأي حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فهما يتعاملان مع هذا التحالف وكأنه واجب ممل، وقد ناقشت منظمة حلف 'الناتو' ردود الفعل المحتملة تجاه أي ثورة عنيفة في العالم العربي في الشهر الماضي أو السنة الماضية.

عملياً، لا وجود لأي منتدى متعدد الجوانب يستطيع أوباما الاعتماد عليه للتعامل مع الأزمة في ليبيا، فحتى هذا الأسبوع، كانت واشنطن تأمل أن يتمكن الثوار الليبيون من تحقيق الفوز بأنفسهم، لكن ها هي قوات القذافي تتقدم وتعيد بسط سيطرتها، فالزعيم الليبي يملك عدداً أكبر من الأسلحة والمرتزقة والكثير من الأموال النقدية على ما يبدو. سيكون انتصار القذافي، إلى جانب ارتكاب مجزرة مريعة، مصيبة هائلة على ليبيا، وستشكّل هذه الأزمة كارثة غير مسبوقة في العالم العربي وفي الخارج، وعندها، سيستنتج طغاة آخرون بأن مبارك وبن علي كانا على خطأ في مقاربتهما، وأن الوسيلة الفاعلة للبقاء في الحكم تقضي بالتصرف بوحشية وبقتل عدد أكبر من الناس، وتكمن المفارقة في أن انتصار القذافي سيكون كارثياً أيضاً على أوباما، إذ سيتهمه الثوار الليبيون بالتواطؤ مع القذافي بينما سيتهمه خصومه المحليون بالضعف.

خلال الأيام المقبلة، سيضطر أوباما إلى اتخاذ قرار حاسم بفرض منطقة حظر جوي أو بتقديم الغذاء والسلاح والدعم السياسي للثوارndash; وهو الخيار الأقرب إلى الواقع- لكن لن يحصل ذلك بالتعاون مع الأمم المتحدة بل مع مجموعة خاصة يمكن أن تحمل اسم 'تحالف الإرادة' كما كان جورج بوش الابن يسمّيها، وسيكون القرار في جميع الأحوال مكلفاً جداً، ففي مطلق الحالات، يوشك أوباما على تعلم درس مهم: نظراً إلى حجم الولايات المتحدة وقوتها العسكرية، لا يملك الرئيس الأميركي خيار البقاء على الحياد وترك الآخرين يتولون مهمة القيادة أو الاكتفاء بتقديم دعم معنوي، مع أن هذه العوامل تشكل ركائز السياسة التي يفضلها الرئيس الراهن.