لندن

مع انتصارات المجلس الانتقالي بالاعتراف الفرنسي به، جاءت الاخبار عن رفع الراية الخضراء في ساحة الزاوية التي بدت ميدان حرب، واخبار تراجع الثوار في راس لانوف. وقال الثوار في تبريرهم للتراجع انه لم تكن لديهم الاسلحة الثقيلة لمواجهة القوات الموالية للعقيد القذافي مع ان التراجع من راس لانوف وصف من المجلس بانه قرار استراتيجي.
واثار القرار الفرنسي الاعتراف بالمجلس الانتقالي تعليقات في صحف بريطانية قالت ان فرنسا يبدو انها لم تتعلم من دروس التاريخ الاستعماري، فيما اهتم الاعلام الامريكي بالجدل الذي احدثته تصريحات مدير الاستخبارات القومية الامريكية جيمس كلابر امام الكونغرس بان قوات القذافي ستنجح في النهاية وتؤكد سلطتها وان الثوار قد يواجهون امكانية الهزيمة لان قوات القذافي مجهزة اكثر بالمعدات.
جاء هذا في ضوء الموقف الامريكي يوم الخميس في اجتماع قادة دول الناتو التي عارضت فيه واشنطن انشاء منطقة حظر جوي مع ان القادة اتفقوا على عمل عسكري محدود.
ومع ان الولايات المتحدة الامريكية لم تفتح اية اتصالات مباشرة مع الثوار الا ان التلفزيون الليبي وصف السفير الامريكي في طرابلس بانه عميل، خاصة بعد ان قال ان اتصالا هاتفيا تم بينه وبين قائد الثوار عمر بشير.
لكن الموقف الفرنسي كان محل تعليق باتريك كوكبيرن في الاندبندنت الذي قال ان موقفا طائشا وراء القرار الفرنسي، ويبدو انه مرتبط بالسياسة الداخلية الفرنسية حيث قصد منه اظهار ان الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي مطلع على الاحداث.
ولكن الكاتب يرى ان ساركوزي يبدو انه لا يعرف ماذا سيفعل اكثر مما فعله القادة الاوروبيون.
ويرى ان الاعتراف بمجلس اعلن عن نفسه ولم يتم انتخابه في بلد تشهد ما يشبه الحرب الاهلية يذكر بالتفكير الامبريالي في القرن التاسع عشر، حيث كانت الدول العظمى، مثل بريطانيا تختار زعيما في البلاد تعتقد انه سيتعاون معها. مع ان الدول هذه تعرف الثمن الذي ستدفعه، لان الزعيم قد يحصل على السلاح والمال لكن مصداقيته بين شعبه ستكون محط تساؤل ويعطي القذافي ما يريده من كون معارضيه عملاء للاجانب.
ووصف الكاتب المجلس الانتقالي' بمجلس بنغازي' او جماعتها قائلا ان كانت فرنسا تهدف من الدعم السياسي له كغطاء للتدخل العسكري، وهذا لن يقنع اي شخص بان الليبيين المعارضين للنظام هم من يقومون باتخاذ القرارات.
وما يجعل قرار فرنسا مثيرا للاستغراب هو ان التدخل العسكري الامريكي المدمر في كل من افغانستان والعراق فشلا في تقديم الحليف المحلي المقبول، وما يعقد الامر هو الثوار الليبيون وهم مجموعات منقسمة على نفسها وغير فاعلة. ان تجارب الماضي تعلمنا انه بدون حليف قوي يمكن الاعتماد عليه فالنتائج ستكون مدمرة، ففي افغانستان مثلا، كان اختيار حامد كرزاي ثم انتخابه في عملية مزورة مدمرا لانه ترك امريكا بدون حلفاء وكذا في العراق، حيث بدأ الغزو بسلطة احتلال ثم تبعه اختيار مجموعة من السياسيين ممن لا قيمة سياسية لهم في الشارع العراقي.
وختم الكاتب قوله ان الازمة الليبية اظهرت رداءة القيادة الاوروبية بشكل عام، والتي تأكدت من خلال القرار الفرنسي. ولا احد يعرف ما هي المنافع التي سيجنيها الليبيون من وراء هذا القرار باستثناء ايهامهم بالتدخل العسكري الذي لن يحدث ابدا.
وبالحديث عن موقف اوروبا المثير للتساؤلات كما جاء في تحليل كوكبيرن وفي ظل الانتقادات لطريقة ادارة وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، خرج رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجر، والذي يعتبر من رؤساء الحكومات الضعاف وجاء بعد مارغريت تاتشر، القوية، بتصريحات مع قناة سكاي نيوز اول من امس ونقلتها 'ديلي تلغراف' قال فيها ان مسألة بقاء القذافي في السلطة تتعلق بهيبة اوروبا، ومعها المجتمع الدولي خاصة الناتو. ودافع ميجر عن طريقة ادارة ويليام هيغ الملف الليبي.
وقال انه في حالة السماح للقذافي بالبقاء في السلطة فانه سينتقم من شعبه. وقالت الصحيفة ان سير جون ميجر عادة ما يتحدث مع ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء الحالي في قضايا المنطقة خاصة ان ميجر يسافر كثيرا للمنطقة في رحلات عمل. وتحدث ميجر اولا الى قناة سكاي التي جاء فيها 'اتساءل اولا عن الاثر الذي سيتركه هذا على هيبة المجتمع الدولي' وتساءل قائلا ان هذا قد يشجع الديكتاتوريين في العالم للتصرف بنفس الطريقة.

نجاعة الخطوات

ومع استمرار الادارة الامريكية ارسال رسائل متناقضة عن الوضع في ليبيا وموقفها منه، اعلنت امريكا عن برنامج من خمس نقاط يعمل على عزل القذافي ويسرع خروجه من السلطة وفي نفس الوقت ابعدت نفسها عن تصريحات مدير الاستخبارات القومية.
ومن ضمن النقاط اعتراف جزئي بالثوار حيث اعلنت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية انها ستلتقي بممثلين عن الثوار الاسبوع القادم، وذلك بعد لقائها مع سفير ليبيا في واشنطن عبدالسلام العجيلي الذي انشق عن القذافي، اضافة خطوات منها التهديد بملاحقة رجال القذافي وتقديمهم لمحاكم جرائم الحرب الدولية.
واستخدمت الادارة عبارة 'تنسيق' مع الثوار والتي لم تشر لاعتراف. وتؤكد الادارة الان على وصول المساعدات الانسانية للمناطق التي يسيطر عليها الثوار.
وتساءل تقرير في 'نيويورك تايمز' عن نجاعة الخطوات التي اتخذتها امريكا خاصة ان الكفة العسكرية مالت لصالح القذافي بعد تراجع الثوار من راس لانوف وخروجهم من الزاوية.
واشارت الى ما يشبه التناقضات في داخل الادارة التي تحاول من جهة العمل او اعطاء صورة ان ايام القذافي صارت معدودة وبين التقييم الامني لكلابر الذي كان يتحدث امام لجنة شؤون الجيش، الذي قدم سيناريو عن امكانية هزيمة الثوار واخر عن امكانية انقسام البلاد الى نصفين حيث يسيطر القذافي على طرابلس والمناطق المحيطة بها والثوار مناطق الشرق ومركزها بنغازي.
وادت تصريحات كلابر الى احراج للادارة حيث سارع المسؤولون خاصة مستشار اوباما لشؤون الامن توماس دونيلون، الى القول ان المسؤول الامني كان ينظر للنزاع من زاوية ضيقة، مؤكدا ان فقدان القذافي الشرعية والحصار المفروض عليه سيؤدي الى الاطاحة به.
ونقل عن مسؤول بارز في الادارة قوله ان الرئيس باراك اوباما يعتقد ان القذافي لن ينتصر. وذكرت التصريحات المتناقضة بما حدث اثناء الازمة الليبية عندما قال سفير واشنطن السابق في القاهرة ان حسني مبارك يجب ان تتاح له فرصة للبقاء في وقت كانت فيه الادارة تحاول تحديد موقف من الثورة المصرية. ودعا الجمهوريون الذين يطالبون بموقف متشدد من ليبيا الى عزل مدير الاستخبارات القومية. ووصف السناتور ليندسي غراهام النائب عن ساوث كارولينا قوله ان التصريحات تؤثر على الجهود الامريكية التي تعمل من اجل تحقيق نتائج تنقل ليبيا من العهد الديكتاتوري الى الديمقراطي. وفي تعليق على الجدل الذي اثاره كلابر قالت صحيفة 'واشنطن بوست' ان تصريحات كلابر احيانا تعكس قلة معرفة وخبرة ففي الشهر الماضي اجبر مكتبه على اصدار بيان لتصحيح ما قاله عندما وصف الاخوان المسلمين في مصر بانهم 'جماعة علمانية كبيرة'، اضافة لتصريحات مثيرة اخرى من مثل اعترافه بانه غير عارف بهجمات لندن ووصفه الصين وروسيا بانهما تشكلان تهديدا ابديا.
وليست هذه المرة الاولى التي تثير تصريحات مسؤولين امنيين جدلا فقد تبين عدم صحة معلومات مدير سي اي ايه، ليو بانيتا عندما قال ان مبارك سيتخلى عن السلطة ليظهر انه استند على تقارير صحافية. لكن زبينجو بريجنسكي مستشار ريغان للامن القومي وصف دعوات اوباما للقذافي بعمل هذا او ذلك بالفارغة وانها مجرد كلام. وقال 'اهز رأسي كلما سمعت اوباما او وزيرة الخارجية انه (يجب..) و(هذا غير مقبول) ماذا يعني غير مقبول'.
وتعكس المواقف المتضاربة ما ترى فيه 'نيويورك تايمز' الموقف البراغماتي للرئيس اوباما والقائم على سياسة ضبط المواقف، وتوصل الى نتيجة بعد الثورات التي اندلعت في العالم العربي انه من الضروري التعامل مع وضع كل بلد من البلدان العربية على حدة. وترى ان السياسة البراغماتية التي تغلبت على الموقف المثالي الذي بدا في اول رئاسة اوباما جعل الاخير عرضة لانتقادات الشارع العربي الذي يرى تأخر الادارة في دعم طموحات التغيير.
ويشير محللون الى معضلة اوباما والخيبة من مواقفه خاصة انه اول رئيس اسود ينتخب وقد استقبل انتخابه بترحاب خاصة ان العديد من الشباب يعلم موقفه من خلال كفاح حركة الحقوق المدنية في امريكا. لكن المسؤولين يقولون ان اوباما الاسود لا يتحدث عن آمال بل يمثل المصالح الامريكية.
ويظهر هذا من دعمه للعائلة الحاكمة في البحرين مركز الاسطول السادس مع ان المتظاهرين يقولون ان مطالبهم لم تتحقق. وتجنب كذلك الحديث عن السعودية التي تعتبر اهم منتج للنفط. كما انه طلب من المسؤولين انتقاد الرئيس اليمني بشكل صارم والذي يواجه تظاهرات يومية تطالب بخروجه من السلطة.
ويظهر الموقف البراغماتي في التعامل مع شمال افريقيا وحسني مبارك فهو من جهة تردد حتى النهاية في اتخاذ موقف من التظاهرات فيما يحاول الموازنة بين استخدام الحل العسكري ضد ليبيا ومثاليته السياسية. وفي الوقت الذي يدعو فيه عدد من المسؤولين الى خطاب كبير على غرار خطاب القاهرة الا ان اخرين يقولون ان الوقت لم يحن وان اي خطاب في الوقت الحالي لن يغير الكثير. وعوضا عن ذلك ستقوم كلينتون بزيارة الى المنطقة، تونس ومصر حيث ستحيي المتظاهرين، وكانت ستتوقف في الرياض لكن الزيارة الغيت بسبب مرض الملك عبدالله.