الحرب المقدسة في البحرين

إبراهيم المليفي
الجريدة
المعالجة الإيرانية القاصرة لأحداث البحرين من خلال تصريحات مسؤوليها أهدت كل من يريد الربط بين مطالب المعارضة المشروعة والتدخل الإيراني في منطقة الخليج الحجج الكافية، فلو أن طهران صمتت قليلاً وهدّأت من حماسة قناة laquo;العالمraquo; لكان البحرينيون اليوم عادوا بالزمن إلى يوم الميثاق الجميل لتصحيح مسيرتهم الديمقراطية.
قبل الخوض في كرنفال ازدواجية المعايير الطائفي، هناك مداخل يجب المرور منها؛ أوجهها إلى الباحث عن منابع الموقف المستمد من الدستور، وليس من فتاوى الدم وفواجع التاريخ التي لم تنته ولن تنتهي، لأن محتكري الحقيقة والجنان العالية فشلوا في إبادة المختلف عنه وسيظلون كذلك حتى قيام الساعة.
وفق الدستور ترتبط العمليات العسكرية للجيش الكويتي بالحرب الدفاعية في مواجهة عدوان خارجي ضد الكويت أو أي بلد عربي، مادة (68) ومادة (157) من الدستور، ولذلك لا يجوز مشاركة قوات عسكرية كويتية في عمليات بوليسية في البحرين ما لم تعدل القوانين الكويتية، الرأي السابق كان لأستاذ القانون الدستوري محمد الفيلي الذي بيّن مشروعية مشاركة الجيش الكويتي ضمن قوة درع الجزيرة في أحداث البحرين، وخيراً فعلت الكويت بعدم المشاركة في تلك القوة نظراً للمخالفة الدستورية المذكورة، ولأن الوضع بعكس ما يتوقع الكثيرون سيفاقم الوضع الطائفي في الخليج بأكمله لا في البحرين فقط، وما أقرؤه في laquo;تويترraquo; من حرب مقدسة يريد بعض الكويتيين والسعوديين شنها في البحرين أحد الأدلة على ما أقول.
المدخل الثاني وهو قطعة من التاريخ البحريني، ففي 31 مارس 1970 وصل السير وينسبير مع بعثة من الأمم المتحدة لتنفيذ الاستقصاء وليس الاستفتاء لمعرفة رأي أهل البحرين في مستقبلهم، هل ينضمون إلى إيران التي زعمت أن البحرين لها أو يعلنون استقلالهم؟ كان الاستقصاء مخرجاً بريطانياً لرفض البحرين الاستفتاء الذي يوحي باعتراف ضمني بوجود حقوق لإيران في البحرين، كما أن موضوع سيادتها ليس موضوع نزاع.
الاستقصاء الذي استغرق 18 يوماً تم عبر جولات على الأندية الثقافية والرياضية والنسائية وزيارات إلى القرى والأماكن النائية، وفي 11 مايو في مجلس الأمن أعلن أن الأغلبية الساحقة من البحرينيين تريد الاستقلال، وأن من شارك في ذلك الاستقصاء قبل 40 سنة هم أجداد وآباء اليوم، وأغلبية شعب البحرين بالأمس واليوم هم من الشيعة، وهم يتعرضون بالجملة إلى حملة تشكيك بولائهم دون تفرقة بين المسيء الذي يستحق العقاب، وصاحب الرأي الذي يبحث عن الإصلاح، والبسيط الذي لا يريد من الدنيا غير الحياة بكرامة.
المدخل الأخير، يتعلق بالمعارضة البحرينية، ففي الأيام الأولى كانت مطالبها إصلاحية، ونعتقد أن بيان الجمعيات السياسية السبع المعارضة يشخص العلل ويؤسس لحوار مع القيادة السياسية البحرينية التي أطلقت إشارات إيجابية تبشر بالخير، ما حصل هو تبدد صوت المعارضة وتداخل صور العنف والعنف المضاد، الحكومة تعرض صور الدمار الذي لحق بممتلكات الدولة وإصابات رجال الأمن، والمعارضة تبث صور مَن قُتلوا وضُربوا بصورة بشعة.
المطلوب الآن من المعارضة والحكومة هو المبادرة بالعودة إلى نقطة يمكن الانطلاق منها بدلاً من الاستمرار في الوضع الحالي الذي إن حُلّ عسكريا اليوم فإنه سيعود من جديد لأن مغذياته لاتزال محتقنة.
ولا يفوتي أن أختم بأمرين في غاية الأهمية: الأول، أن جميع دول الخليج مجتمعة لن تقبل بتعرض أي نظام فيها لأي خطر (كلامي واضح)، وبناء على ذلك يمكن تفهم رد الفعل الخليجي لما يحصل في البحرين. الأمر الثاني، المعالجة الإيرانية القاصرة لأحداث البحرين من خلال تصريحات مسؤوليها أهدت كل من يريد الربط بين مطالب المعارضة المشروعة والتدخل الإيراني في منطقة الخليج الحجج الكافية، فلو أن طهران صمتت قليلاً وهدّأت من حماسة قناة laquo;العالمraquo; لكان البحرينيون اليوم عادوا بالزمن إلى يوم الميثاق الجميل لتصحيح مسيرتهم الديمقراطية، ولكن مع الأسف كانت طهران أكثر حمقاً من بعض العرب الذين ظنوا أنه بالإمكان استنساخ الثورات.
الفقرة الأخيرة: أحداث البحرين ليست اختباراً للمحسوبين على التيار الوطني الديمقراطي فقط، بل هي فضيحة جديدة تضاف إلى سجل مزدوجي المعايير سنّة وشيعة الذين يصمتون عند ضرر الآخرين ويقيمون موالد العزاء عندما تمسهم النار.
هدى الحسيني
قوات laquo;درع الجزيرةraquo; نسفت laquo;خريطة الطريقraquo; الإيرانية في الخليج
الشرق الأوسط
من المؤكد أن قرار دول مجلس التعاون الخليجي إرسال قوات رمزية من درع الجزيرة العربية، لمساعدة البحرين في حماية منشآتها الدستورية والاقتصادية والمالية، أربك خطط القيادة الإيرانية الخفية، إنما المعروفة، لقلب موازين القوى في دول الخليج العربية. من المفترض أن يدفع هذا التطور إيران إلى الكشف عن مخططاتها، لكن الأمر مستبعد.
من الواضح أن إيران تستفيد من الانتفاضة في البحرين؛ فهي تصيب عبرها عدة أهداف، أبرزها: تهديد الاستقرار في دول الخليج العربية كلها، ووضع الولايات المتحدة في موقف صعب. وبالنسبة إلى إيران، فإن laquo;الثوراتraquo; في دول شمال أفريقيا وتمددها إلى الجزيرة العربية تمثل فرصة ذهبية وتحقق أهدافا لها تعود إلى زمن الشاه محمد رضا بهلوي وكان قد أعاد إحياءها العام الماضي حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة laquo;كيهانraquo;، الذي طالب بضم البحرين إلى إيران.
اعتاد النظام الإيراني على كفاءته في استغلال قدراته بطريقة سرية، لإعادة رسم الواقع السياسي في الكثير من الدول؛ فهو يعتبر هذه الاستراتيجية قليلة المخاطر، إنما ذات مردود عالٍ. وقد اعتمد على قوته في الساحات السرية لتحقيق خططه في البحرين وعلى مساحة منطقة الخليج العربية كله. بالنسبة إلى البحرين اعتمد النظام الإيراني على علاقاته السياسية، والاقتصادية، وعلاقاته مع أحزاب ومجموعات سياسية لمنع المفاوضات بين المعارضة الشيعية والنظام السني، فأسهم في تصعيد المظاهرات وإثارة الاشتباكات المذهبية بقصد تحويل الاضطراب السياسي إلى مواجهة مذهبية يمكن أن تعيد رسم توازن القوى في دول الخليج لمصلحة طهران. واللافت أن الوضع في البحرين تحول من مطالبة المتظاهرين الشيعة بحقوقهم المشروعة إلى ما يبعث الشكوك مع عودة رجل الدين حسن مشيمع (حركة الحق) الذي هو على اتصال وثيق مع النظام الإيراني. ومن بين الذين أسهموا في منع الجلوس على طاولة المفاوضات في البحرين رجل الدين حجة الإسلام هادي المدرسي، رئيس الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين (تجدر الملاحظة إلى أن هذه الجبهة كانت وراء المحاولة الانقلابية الإيرانية عام 1981 ضد القيادة البحرينية)، وكذلك محمد تقي المدرسي العراقي (من كربلاء)، المقيم حاليا في البحرين، الذي ينسق مع الإيرانيين لتنظيم المظاهرات والأماكن التي يجب أن تغلقها.
يقول كثيرون: إنه ما دام المتظاهرون عزلا فيجب عدم مواجهتهم. المتظاهرون في البحرين يرددون كلمة laquo;سلميةraquo;، وبسببها أقاموا في دوار اللؤلؤ، وعبروا laquo;الرفاعraquo; ووصلوا إلى القصر الملكي، وأغلقوا كل المنافذ التي تؤدي إلى حي المال. وللعلم فإن المتظاهرين في laquo;ميدان التحريرraquo; في القاهرة كان سلاحهم كلمة laquo;سلميةraquo;، وبها أطاحوا بنظام الرئيس حسني مبارك.
فوجئ النظام الإيراني بتطور يوم الاثنين الماضي، ربما لم يكن يتوقع خطوة عسكرية خليجية بهذا الشكل المباشر؛ لأن دول الخليج العربية، وعلى رأسها السعودية، تفضل دائما العمل الهادئ، وتقبل الصدمات والعمل على استيعابها بالتي هي أحسن.
الآن، إذا لم تفعل إيران شيئا، فإن الموجة التي كانت تتحرك لمصلحتها ستتوقف، وقد تسير في الاتجاه المعاكس، وتفقد طهران، بالتالي، الفرصة التي اعتبرتها فرصتها التاريخية. أما إذا قررت التدخل العلني في البحرين، الجزيرة الواقعة بين السعودية وقطر (قوتين سنيتين)، وفيها قاعدة الأسطول الأميركي الخامس، فإنها قد تفتح عليها بابا يهدد حتى نظامها. فالرئيس محمود أحمدي نجاد يحمي موقعه بما يعتبره المحافظون الإيرانيون نجاحا في السياسة الخارجية التي يتبعها، والتي تسمح له بقمع المظاهرات المضادة في الداخل وتجنيب دخول إيران في أي حرب مباشرة.
قرب الانسحاب الأميركي من العراق حرك شهية إيران، التي تحاول استغلاله إلى ما لا نهاية، وتزامنت التحضيرات لهذا الانسحاب مع laquo;ثوراتraquo; عربية بدأت شعبية، ولكن لم يعد معروفا بأيدي من ستنتهي. بعد تحرك قوات درع الجزيرة العربية في البحرين، قد تفضل إيران التمسك بخططها الخفية وتستغل قدراتها في أفغانستان (الأسبوع الماضي صادرت القوات الخاصة البريطانية في أفغانستان شحنات صواريخ إيرانية مرسلة إلى طالبان)، أو في العراق أو في لبنان من أجل إثارة أزمة جديدة لتتجنب التورط في وضع لا ترغب فيه في البحرين.
قرب الانسحاب الأميركي من العراق يدفع إلى الاعتقاد أنه المكان الأنسب لفرض الأمر الواقع الذي تتطلع إليه طهران. لكن سرت شائعات مؤخرا، في واشنطن، بأن الرئيس باراك أوباما قرر الإبطاء أو وقف الانسحاب؛ لأن إتمامه في الوقت المتفق عليه قد يجعل التوازن في العراق يميل لمصلحة إيران، وهذه استراتيجية كارثية.
لكن، إذا سلمنا أن هذه مجرد شائعات وحاولت إيران إشغال الولايات المتحدة في العراق لإبعاد الأنظار عما تفعله هي في البحرين، فيمكن لهذا أن يرتد عليها ويدفع واشنطن إلى تأجيل انسحابها.
كان قد لوحظ أنه ما إن أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي عن تطبيقها اتفاقية الدفاع المشترك، وهذا يعني ضمنا إدراكها أن المظاهرات في البحرين بدأت حقوقا وانحرفت لتصبح ممرا للنفوذ الإيراني في الخليج، حتى أعلن أصفنديار رحيم مشائي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، عن احتمال سفره إلى الأمم المتحدة في 18 الحالي للمشاركة هناك في عيد النوروز (رأس السنة الإيرانية/ الكردية). وكان هذا الإعلان بمثابة رسالة إلى واشنطن لتحريك قنوات الاتصال الخلفية للمفاوضات بين واشنطن وطهران.
في ظل الأوضاع المتوترة في العالم العربي، ترى إيران فرصتها المهمة لتغيير الواقع السياسي في المنطقة العربية والخليجية. هي تريد أن تظهر أنها قادرة، عبر مجموعات شيعية في الخليج، أن تضغط على الدول العربية وعلى الولايات المتحدة للتفاوض على التأقلم معها حسب شروطها، فإذا نجحت بذلك فإنها تضمن اعترافا دوليا بنفوذها في العراق والمنطقة المحيطة به، بما في ذلك ثروات الطاقة.
تراهن إيران على حاجة الولايات المتحدة الاستراتيجية للتخفيف من أعبائها العسكرية في المنطقة، لكن بعد التطورات الأخيرة في الدول العربية التي أحدثتها laquo;الثوراتraquo; تغير الوضع؛ فسقوط نظام حسني مبارك، خلال 18 يوما، أربك الإدارة الأميركية التي اتهمت بالتخلي السريع عن حلفائها، وتحدي العقيد الليبي معمر القذافي للإرادة الدولية التي laquo;أصدرت الأمرraquo; إليه بالرحيل، كشف أيضا عن أن الغرب قادر على الإطاحة بـlaquo;الطغاةraquo; الذين ارتبطوا معه بعلاقات وثيقة، وغير قادر على laquo;الطغاةraquo; الذين ابتعد عنهم، أو أداروا له ظهورهم.
وإذا كان ما حدث للرئيس المصري حسني مبارك بمثابة الدرس الذي استفاد منه الزعيم الليبي، فإن إقدام القذافي على قصف شعبه، غير آبه بكل المبادئ الأخلاقية، وليس فقط القوانين الدولية، هو الدرس الذي كانت إيران تنوي اعتماده على أساس أن خططها الخارجية قائمة. لكن ما حدث يوم الاثنين الماضي يعني أن صدمة أصابت الإدارة الأميركية التي تهاونت في الدفاع عن حلفائها، بغض النظر عن تاريخهم، وأبقت احتمال التحاور مع أعدائها قائما.
الآن، يبدو أن مسار خريطة الطريق الإيرانية في الخليج العربي تعطل، نتيجة الحركة الخليجية الجريئة المضادة. ليس واضحا ما سيكون عليه رد الفعل الإيراني، قد تحاول إيران التسبب في مشكلات في السعودية، لكن مع الخطوة التي أقدمت عليها الرياض تجاه البحرين، فإن محاولات إيران ستواجه الفشل.
كشفت أحداث الأيام الأخيرة عن أن الإيرانيين يواجهون هجوما مضادا يهدد مشروعهم الذي عملوا عليه لسنوات طويلة فظنوا أنهم على وشك قطف ثماره. ومن الواضح أن خريطة الطريق الإيرانية انهارت في جزئها الخليجي.