محمد صالح المسفر


أتابع كغيري من المهمومين بهم الأمة العربية عامة والخليج العربي خاصة ما يجري في مملكة البحرين من حوار قوة بين المواطن البحريني غير المسلح والسلطان المسلح بكل أدوات القوة والإكراه، أتابع حوارات البرلمانيين في دولة الكويت عما يجري في البحرين، البعض مؤيد لدخول قوات درع الجزيرة المسلحة إلى البحرين بموجب طلب القيادة السياسية هناك، والبعض رافض ذلك التدخل وكل له حجته، أتابع فتاوى علماء السلطان المكفرين لكل وسيلة جهر بمطالب المواطن من الحاكم، وتحريم بل تجريم كل مسيرة جماعية تناشد الحاكم في العدل بين الناس ورفض الاستبداد ومنع الفساد، أتابع فتاوى دينية أخرى لمتعصبين من الطائفتين (السنة والشيعة) وكل منهم يحرم ما يفعله الآخر.
والحق أن بدني يقشعر كلما سمعت تلك الفتاوى، وأزداد خوفا على مستقبل هذه المنطقة الحساسة من العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه هل غاب العقل عنا جميعا إلى الحد الذي وصلنا إليه اليوم من مواجهات عنف سالت على أثره دماء وأزهقت فيه أرواح لم يكن هذا مكانها.أليس في هذه المنطقة المهمة من العالم حكماء يسعون لوأد الفتنة بين الحاكم والمحكوم؟
لا بد لنا من الإشادة والتقدير بما فعل جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان تجاه مواطنيه. لقد أسرع في استلام رسالة المطالب التي رفعها المواطن العماني في مسيرته (المظاهرات) السلمية واستجاب جلالته لتلك المطالب، أزاح مفتش الشرطة والأمن العام من منصبه استجابة لطلب المواطن العماني، وسارع في إصدار أوامره بخلق 50 ألف فرصة عمل، وقرر مرتبا شهريا لكل عاطل عن العمل، وشكل لجنة للنظر في دستور البلاد على أن تقدم تقريرها في خلال شهر واحد، وراح بنفسه يتفقد أحوال الناس وهتف المواطن العماني تحية لقائد البلاد جلالة السلطان، وذاك ملك المغرب استجاب جزئيا لمطالب مواطنيه ولم يذهب للمواجهة.
(2)
في مملكة البحرين الشقيقة حراك سياسي تغوص جذوره في صعيد المملكة منذ الخمسينيات من القرن الماضي، هذا الحراك يأخذ أطواراً مختلفة تتناسب مع كل حقبة تاريخية، في الخمسينيات ومطلع الستينيات كانت المطالب الاستقلال وخروج الانجليز من البحرين وكان لهم ما أرادوا، في السبعينيات كانت المطالب الإصرار على عروبة البحرين والاستقلال ورفض الادعاءات الإيرانية في فرض سيادتها على البحرين وتحقق ذلك، كان الشعب موحداً ولم ترتفع رايات الطائفية ويشهد نادي العروبة أحد أقدم الأندية السياسية في البحرين على ذلك.
تابعت مطالب المواطن البحريني ومظاهراته، وتابعت جهود ولي عهد مملكة البحرين في دعوته للحوار مع كل أصناف المعارضة في البلاد، والحق أنني أتفق مع مشروع ولي العهد الذي قدمه للمعارضة، لكن يبدو أن هناك حلقة في سلسلة العلاقة بين ولي العهد والمعارضة أدت إلى إضعاف الجهود وهبّ عجاج الشك بين المعارضة والحاكم وتعثرت كل المحاولات، ويؤسفني القول بأن المعارضة أخذت في رفع سقف المطالب، الأمر الذي أدى إلى انعدام الثقة بين المواطن والحاكم ودب الشك في نوايا المتظاهرين وراح البعض يصر على أن لدى المتظاهرين (أجندة) برنامج عمل أعده ويديره قوى من خارج الحدود بغية المساس بأمن واستقلال البحرين.
(2)
قرأت في عريضة مطالب المعارضة البحرينية رفضهم المطلق لمنح الجنسية البحرينية للعرب، وقرأت فيما قرأت من تلك المطالب إنهاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري.
يا للهول!! دول منظومة مجلس التعاون تعيش في رعب التركيبة السكانية والتي يعيش بيننا ما يقارب 16 مليون آسيوي من ملل ونحل مختلفة، إني من المطالبين والداعين إلى تجنيس عشرين مليون عربي في دول مجلس التعاون وإعطائهم حقوق المواطنة الكاملة بعد الإقامة مدة لا تزيد على خمس سنوات، نحن في حاجة إلى كل المهن بكل ما تعني كلمة مهنة، نحن في حاجة إلى قوة عربية في جيوش دول مجلس التعاون لأننا في أهم منطقة في العام وحدودنا الشرقية والجنوبية مكشوفة ونحتاج إلى حمايتها، وليس عن طريق المرتزقة وجنود عابري سبيل أو القواعد العسكرية الأجنبية. وأذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين إنه في يوم احتلت إيران الجزر الإماراتية التابعة لدولة الإمارات في 30/11/1971 كان الذين استبسلوا في الدفاع عن تلك الجزر الإماراتية واستشهدوا هم جنود من أصول يمنية وليس غيرهم، فإذا منحت الجنسية الخليجية لعربي فإنه مكسب وطني ورأسمال بشري يعتد به.
أن القول بأن التجنيس الجاري هو تجنيس سياسي لكن علينا حسن الاختيار. أن القول بأن عملية التجنيس الجارية في البحرين هي بهدف ترجيح كفة فئة على فئة أخرى أمر يحتاج إلى إمعان النظر فيه من كل الأطراف ولا يجوز إطلاق أحكام مبنية على الشك في النوايا.
أما القول بإنهاء النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري في البحرين فذلك أمر يثير السخرية. أن أصحاب هذا المشروع أجزم بأنهم لا يعرفون تاريخ هذه المنطقة وأن هذا المشروع صادر عن غير عاقل وليس جادا في مطالب الإصلاح السياسي، أن هذا المطلب يقود إلى تصديق القول بأن مشروع المتظاهرين يحمل (اجيندة) برنامج عمل أجنبي. أن أي مواطن متواضع في الفهم والمعرفة يعرف جيدا بأن طلب قيام النظام الجمهوري في البحرين سيستعدي كل أنظمة الخليج العربي. فلماذا يا عقلاء البحرين تنساقون إلى هذا المطب المخيف؟
خلاصة القول: أن فرض الطاعة والانقياد للحاكم بالقوة العسكرية وضع عفا عليه الزمن ولم يعد قابلا للتطبيق. أن المجتمع المبني على الطائفية والنعرة القبلية والمحسوبية والشك في النوايا بالضرورة يقاد إلى الهزيمة والتدخلات الخارجية. أننا في حاجة ماسة للقضاء على نظام الاستبداد والفساد والظلم والتمييز بين المواطنين. أن المساواة في الحقوق والواجبات بين الناس ركن أساسي من أركان الأمن والاستقرار في مجتمعاتنا العربية. أن إشراك المواطن في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضمانة لاستقرار النظام السياسي واستمراريته واستقلال الدولة وسيادتها والتصدي لكل أعدائها.فهل نحن فاعلون؟