راجح الخوري

لم يفهم أحد حتى الآن أسباب مسارعة السيد عمرو موسى الى انتقاد العمليات العسكرية الغربية في ليبيا، تنفيذا للقرار الدولي 1973، عندما قال بعد ساعات قليلة على بدء هذه العمليات إنها تختلف عن الاتفاق على إقامة منطقة حظر جوي لحماية المدنيين الليبيين!
طبعا ليس هناك من لا يتذكر الفترة العصيبة التي سبقت اتخاذ القرار المذكور، وخصوصا بعدما اندفعت وحدات القذافي المدرعة وطائراته المقاتلة، وبدأت تنفيذ المجازر ضد المدنيين، وخصوصا في الزاوية ومصراتة وحتى عند مداخل بنغازي، حيث سقط مئات القتلى من المدنيين والثوار.
وإذا كان العالم العربي قد ارتاح نسبيا لقرار مجلس الامن فرض حظر جوي، وهو أمر أصرّت أميركا على أن يحظى بموافقة عربية، فانه كان من الضروري أن يقرأ الامين العام للجامعة العربية (المستقيل استعدادا لخوض معركة الرئاسة المصرية) جيدا القرار الذي صادق عليه العرب ومجلس الامن، وقد نص على quot;اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية المدنيين، وهو ما يشمل منطقة حظر طيرانquot;.

❒❒❒

عمرو موسى ليس جنرالا والحمد لله ولا هو من الخبراء العسكريين، لكنه وهو الشاهد على نصف قرن من الحروب والمآسي العربية، كان عليه أن يعرف على الاقل، أن فرض منطقة حظر جوي، يفرض أولا القيام بعمليات عسكرية تستهدف شل الآلة العسكرية الجوية والمدرعة التي يحركها القذافي ضد المدنيين.
وعندما يقول عمرو موسى: quot;ما نريده هو حماية المدنيين وليس قصف مدنيين اضافيينquot; (!) فانه يقع في الارتجال، إما لأنه يصدق بيانات معمر القذافي وهي أكاذيب، وإما لأنه لم يسمع تصريحات المعارضين عن المذابح القذافية، وقد زاد عدد القتلى عن سبعة آلاف حتى الآن. لكن المثير، انه يستطرد بالقول: quot;طلبنا البيانات الكاملة لنعرف ما حدث بالفعل وأرجو أن تصلنا سريعاquot;!
إذاً فهو لم يكن يعرف عندما أدلى بتصريحه ذاك الذي بدا وكأنه يريد حماية القذافي، أو أنه لا يصدق ما يقوله الثوار عن المذابح، التي وصلت الى بنغازي في الشرق. ومن قبيل المسؤولية على الأقل، كان عليه انتظار هذه البيانات التي طلبها!
في أي حال لم يكن من حق عمرو موسى توريط الجامعة العربية في موقف ارتجالي استدعى ردا أميركيا مستهجنا وسريعا وربما محرجا، وخصوصا بعدما بدا العرب متحمسين لتدخل يمنع مذابح القذافي، ثم مع بداية هذا التدخل بدأت اعتراضات موسى غير المفهومة!


❒❒❒

في هذا السياق، تقتضي الامانة والموضوعية بالقول إن قطر حفظت الصدقية العربية أمام العالم، عندما أعلنت مشاركتها في العمليات لإقامة الحظر الجوي وحماية المدنيين الليبيين.
وفي حين أثار كلام موسى الاستغراب والاستياء، كانت أربع مقاتلات قطرية تنضم الى العمليات العسكرية، بعدما أعلن رئيس وزرائها وزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر رسميا المشاركة في هذه العمليات.
وإذا كان البعض يرى أن المشاركة القطرية تبقى في الاطار الرمزي من حيث الحجم العسكري، فان من الضروري ان نتذكر الاهمية المعنوية والسياسية لهذه المشاركة، التي حفظت فعلا صدقية العرب وجامعتهم أمام الأمم المتحدة والرأي العام الدولي.
وفي الواقع يتأكد مرة تلو المرة ان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة، يعرف تماما كيف يعطي لبلاده دورا مؤثرا وحاسما له وزن معنوي وسياسي في القضايا والمنعطفات الحساسة والدقيقة. ففي أقل من اسبوع قدمت الدوحة نموذجا لافتا مرتين عن الحضور القومي والانساني:
- أولا: من خلال مشاركتها في قوات quot;درع الجزيرةquot; التي ساعدت البحرين على محاولة احتواء التصعيد المصطنع الذي وصل بالمعارضة حد تجاوز مطالبها المشروعة في التنمية والتطوير، الى الدعوة لاسقاط النظام وقيام quot;الجمهورية الاسلاميةquot; على النمط الايراني وبتشجيع من طهران كما أعلنت المنامة!
- ثانيا: من خلال المشاركة الشجاعة في العمليات لحماية المدنيين الليبيين، في وقت كانت تصريحات عمرو موسى ترفع علامات استفهام حول صدقية العرب ومعرفة ما يريدون فعلا!
واذا كانت المشاركة العسكرية القطرية تبقى محدودة من حيث العدة والعتاد، فان من الضروري ان نتذكر ان قطر قدّمت quot;آرمادا كاملةquot; لدعم الثورة ضد القذافي، لا بل ان دور هذه quot;الآرماداquot; ربما يتقدم في الفعل والتأثير، على كل القوات التي تقوم الآن بفرض الحظر الجوي. ويتمثل هذا الامر عمليا بسلاح الاعلام، فقد لعبت quot;قناة الجزيرةquot; دورا مهما جدا في خلخلة النظام الليبي القمعي المتوحش الذي فرضه القذافي لمدة 42 عاما.
وهذه quot;الآرماداquot; أهم من السلاح، وقد دفعت دما باستشهاد أحد مصوريها الذي اغتاله النظام الذي يعتقل بعثة اعلامية أخرى من quot;الجزيرةquot;.