ياسر الزعاترة


في مادة laquo;الدراسات الاجتماعيةraquo; المقررة على المرحلة الثانوية في مصر المحروسة، جرى تغيير مصطلح laquo;الفتح العثماني لمصرraquo; بمصطلح laquo;الغزو العثمانيraquo;، وسبب الغزو بحسب النص الجديد هو laquo;رغبة السلطان العثماني سليم الأول في توسيع ممتلكاته في الشرق عن طريق الاستيلاء على مصر التي تمثل قلب العالم الإسلاميraquo;، أما الأسوأ فهو قول الكتاب بأن العثمانيين قد لجؤوا laquo;إلى الدين واستخدموه لاستمرار فرض سيطرتهم على العالم العربي، خاصة أن عقلية العصور الوسطى كانت سائدة في العالم العربي، وهي عقلية تعتمد على الحفظ والتلقين والاهتمام بالعلوم الشرعية والفقهية دون العلوم التطبيقيةraquo;.
الأكيد أن التغيير المشار إليه لم يكن الوحيد الذي طرأ على الكتب المدرسية. ففي زمن التراجع على مختلف الأصعدة، سيكون من الطبيعي أن تتغير المناهج من أجل مواكبة laquo;التطوراتraquo; الجديدة، لكن تغييرا من هذا النوع كان لافتا بالفعل، ولا يمكن أن يكون بريئا بحال من الأحوال.
في سوريا، وبعد عقود من التعاطي الإعلامي، الموغل في السلبية مع المرحلة العثمانية، بخاصة في ميدان الدراما، وقع تحوّل خلال السنوات الأخيرة، وبالطبع بعد العلاقة الإيجابية مع حكومة العدالة والتنمية في تركيا، والتي ذهب البعض حد وصف رجالها بالعثمانيين الجدد، مع أن ذلك ليس صحيحا بحال من الأحوال، لأن القوم لا يطمحون في دور على النسق العثماني، بقدر ما يطمحون في دولة قومية لها حضورها ونفوذها في المنطقة.
بعد التطورات التي أعقبت مجزرة أسطول الحرية، والموقف التركي القوي الذي ظهر قبلها وبعدها على صعيد الموقف من قطاع غزة، وعموم الملف الفلسطيني، بدا أن القاهرة قد انزعجت كثيرا من تصاعد الدور التركي في المنطقة، الأمر الذي اضطر زعماء العدالة والتنمية إلى القيام بزيارات عديدة إلى القاهرة بهدف التأكيد على الدور والحضور المصري، وعدم وجود نوايا سلبية لدى أنقرة فيما خص ذلك الدور، لكن ذلك كله لم ينسحب إيجابا على موقف الإعلام laquo;القوميraquo; المصري الذي يعبر بدوره عن حقيقة الموقف السياسي للنظام، كما تأكد أن القاهرة قد أسهمت في التحريض على الدور التركي في الملف الفلسطيني، الأمر الذي أسفر ضغوطاً أميركية غربية مشددة على أردوغان من أجل التراجع عن لغته وخطابه حيال ملفات المنطقة بشكل عام، وهو ما وقع بالفعل، وإن بقي الموقف التركي متقدما إلى حد كبير على الموقف المصري نفسه.
اليوم يتأكد أن الموقف المصري من حكومة العدالة والتنمية لم يتغير، بل إنه يدخل في باب الثوابت، ذلك أن المناهج المدرسية هي آخر ما يتغير في الدول؛ حيث لا تخضع لحركة السياسة المتغيرة، ما يعني أن النظام المصري قد حسم موقفه من تركيا العدالة والتنمية على وجه الخصوص، وأكد وضعها في خانة الخصم، ربما على نحو يتفوق على إيران، وبالطبع لأن هذه الأخيرة مستهدفة أكثر من قبل الغرب، كما أن إمكانية حصولها على التأييد الشعبي العربي والإسلامي تبدو أقل تبعا للحساسيات المذهبية التي تزداد صعودا في المنطقة.
ليس هذا مجال تقييم المرحلة العثمانية، فقد سال حبر كثير على هذا الصعيد، واختلف الناس وسيظلون مختلفين حولها، بخاصة خلال عقودها الأخيرة، أعني مرحلة التدهور، لكننا إزاء موقف سياسي يعبر عن واقع الحال في السياسة المصرية التي تتمسك بالدور القديم من دون دفع استحقاقاته على صعيد ملفات المنطقة.
والحق أنه لم يسبق أن كان وضع مصر وحضورها ودورها بهذا المستوى من التراجع كما هو الحال خلال السنوات السبع الأخيرة، الأمر الذي يقر به سائر المراقبين، ويكفي أن نتصور وضعها بعد انفصال السودان وهيمنة حلفاء الدولة العبرية على مياه النيل حتى ندرك ذلك، إلى جانب عموم حضورها ودورها الإفريقي والشرق أوسطي.
مصر هي الشقيقة الكبرى، وهي بإمكاناتها المتاحة قادرة على أن تكون سيدة المنطقة، لكن الإمكانية شيء والواقع شيء آخر، ولا شك أن الوضع القائم لا يعتبر خسارة لمصر وحدها، وإنما للأمة العربية والإسلامية أيضا، ما يؤكد أهمية التغيير وضرورته.
بقي القول إن الدور التركي في المنطقة يمكن أن يكون إيجابيا وفي صالح الأمة، ولا مصلحة لنا في النظر إليه كعدو أو خصم، الأمر الذي يمكن أن ينسحب على إيران إذا عدلت سياستها على نحو ينسجم مع المصالح العليا للأمة بعيدا عن عقلية الهيمنة والتعصب المذهبي.