زهراء حبيب
رغم ردود الفعل الغاضبة والمستنكرة لفتوى أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الإمام بالرياض الدكتور يوسف الأحمد بهدم المسجد الحرام بمكة المكرمة بحجة أنه الحل الوحيد لمشكلة اختلاط النساء بالرجال في الطواف، أصر المفتي على فتواه تحت مبرر توسعة ساحة الطواف ومعالجة ازدحام الحجاج والمعتمرين في المستقبل القريب، وأن يحمل هدفاً سامياً يخدم الإسلام والمسلمين- من وجهة نظره. والمثير في تصريحاته التلفزيونية الأخيرة أن فتواه جاءت بناء على دراسة أعدها لنيل شهادة الدكتوراه، والتي انتهت بطريق واحد لا ثانٍ له، وهو هدم المبنى العثماني وإعادة بنائه بنحو دائري لمنع الاختلاط بالدرجة الأولى ومن ثم توسعة الحرم لحل مشكلة ازدحام الحجاج... الخ'' بصراحة استوقفتني التصريحات الأخيرة للمفتي التي تحمل البعد الإنساني بالدراسة وهي أن هدم المبنى العثماني يأتي لسبب سام، وهو منع سقوط المرأة في باحة الحرم المكي أثناء الطواف في أوقات الذروة.. لا أعلم أأفرح أم أبكي على هذه المسببات التي دفعت برجل يفقه بالدين أكثر من غيره للدعوة إلى هدم أقدس وأطهر مبنى لدى المسلمين، لتفادي سقوط المرأة. أأفرح لرجل دين يظن أن دراسته تراعي المرأة - كما يدعي- أم أبكي على رجل ظلم المرأة قبل أن ينصفها، فالمرأة منذ بدء الإنسانية هي السبب الرئيس وراء المعصية فهي السبب وراء خروج آدم من الجنة، وهي السبب في انتشار الفاحشة، وهي من المغريات الدنيوية وهي الآن السبب وراء هدم أطهر ما في الوجود، ولا أعلم في الأشهر المقبلة ستكون سبب ماذا؟. علماء الدين يعلمون قبل غيرهم أن الدين الإسلامي يدعو إلى عز المرأة وكرامتها، وهو من الدين الذي أعطى المرأة حقها في الحياة، فمن غير المنطقي أن تظلم على يد أعلم الناس بدينهم. هذه الأحداث كلها أرجعتني إلى سؤال أحد الأكاديميين أثناء دراستي في جامعة البحرين، إذ وجه سؤالاً اعتباطياً هل من الطبيعي اختلاط المرأة بالرجل في الحج، فأجبته ببساطة: هناك منذ قديم الأزل وطقوس الحج كما هي لم تتغير فما الجديد الآن في اختلاط الحجاج ببعضهم بعضاً، فهل من المعقول كلما تطور الإنسان تراجعت إنسانيته وأصبحت رغباته تقوده. وقلت ألم تسمع بالمقولة المعروفة: ''ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج''، بمعنى أن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، وطبق هذه المقولة على كافة سلوكيات الحياة البشرية، فالإنسان الصادق المخلص في نيته للحج سوف يطهر عقله وقلبه من المسببات وراء ارتكاب المعصية، ولن يشكل الاختلاط من عدمه سبب يدفعه لارتكاب المعصية، كما يعتقد بعض رجال الدين فهناك أسباب أخرى أدعوا الفقهاء لتسليط الضوء عليها. بدأت أستغرب من تلك الفتاوى الدينية التي باتت بنكهة الأكلات السريعة فكل يوم تصدر فتوى جديدة وكل واحدة أغرب من الثانية، حتى بات رجال الدين يصدرون الفتاوى على مستوى لاعبين كرة القدم بتحليل وتحريم انتقال لاعب من نادي لآخر، وفتوى إرضاع الكبير، والآن جاءت فتوى هدم الحرم لاتساع الطواف ومنع الاختلاط ومواكبة التقنيات المتطورة في المبنى الحديث- كما أعلن المفتي- الله يستر من الفتاوى القادمة. صرعة الفتاوى التي تعيشها الدول الإسلامية، باتت تأخذ منحنى مختلفاً تماماً عن سماحة الدين الإسلامي وكأن المجتمعات العربية والإسلامية بات شغلها الشاغل الركض وراء الملذات والشهوات، وأصبح الخوف من كون الفقهاء لهم دور في تعقيد ما يسره الله، لذلك أضم صوتي إلى صوت القاضي بالمحكمة الجزائية بالرياض الرافض للمطالبة بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه.
التعليقات