عبدالرحمن سعد العرابي

* أبانت إيران بوضوح لا لَبْسَ فيه عن عنصريتها المقيتة، ومطامعها التوسعية، ورغبتها السيطرة على منطقة الخليج العربي في الأزمة الحالية القائمة في مملكة البحرين. فبعد دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، توالت الاحتجاجات الإيرانية الرسمية، بدءًا من وزير خارجية إيران علي أكبر صالحي، ومرورًا باستدعاء الخارجية الإيرانية للسفير السعودي في طهران، وما صرّح به الرئيس الإيراني ذاته، واعتبار أن وجود قوات درع الجزيرة أمر غير مقبول، وتدخل غير شرعي، واحتلال.
* هذه اللغة والأهداف الإيرانية ليست بغريبة على الصادقين من أبناء الأمة العربية، ومن المتابعين المحايدين للشأن الإيراني، فإيران وعبر تاريخها تحكمها عقلية عنصرية وتوسعية. العنصرية في رؤيتها لسمو العرق الفارسي، وتفوّقه على محيطه العربي، وخاصة بعد ظهور الإسلام، وتفوّق العنصر العربي، وقيادة الرموز العربية للأمة الإسلامية. فلم يرضِ ذلك الفرس رغم دخول بعضهم إلى الإسلام، فسعوا من خلال الشعوبية إلى تفكيك الدولة الإسلامية من خلال إثارة الفتن والطائفية، بين أبناء الأمة الواحدة.
* ثم كان الدور الصفوي الذي يمجده الإيرانيون حتى يومنا هذا؛ لأنه حقق لهم تفوقًا سياسيًّا في المنطقة علمًا أن الأسرة الصفوية الحاكمة لم تكن فارسية، بل تركية بحتة. وما يدير العقلية الإيرانية الحاكمة حاليًّا من الملالي هي ذاتها التي سادت وسيطرت أيام الصفويين، حيث يعتبرون العراق والخليج العربي بشواطئه الشرقية والغربية والشمالية، وجزره ملكية إيرانية خالصة، ولعل في إصرارهم على تسميته بالخليج الفارسي خير دليل، رغم أن هذا المحيط الخليجي بما فيه الجانب الشرقي والشمالي الشرقي الذي تسيطر عليه إيران حاليًّا عربي العرق، والثقافة، والبيئة.
* ولمعرفة إيران وحكامها عبر التاريخ بهكذا حقائق، فإنهم يسعون ليل نهار، وفي كل محفل ومناسبة إلى إثارة الإشكالات حتى وإن في أتفه الظروف، كما في الرياضة، ومشاركة الفرق الإيرانية كما حدث مع بعثة فريق بيروزي قبل لقائه مع فريق الاتحاد السعودي في مدينة جدة.
* هذه السياسة التعجرفية التوسعية، لم تعد تنطلي على دول الخليج، وعلى كثير من العرب، عدا توابع إيران من أمثال نوري المالكي، وحزبه العراقي، وحزب الله اللبناني، وشراذم متناثرة هنا وهناك، كما في حال الحوثيين. من أجل ذلك وجدت إيران نفسها أمام مواقف صلبة من إرادة عربية خالصة، كما حدث في الانتخابات العراقية الأخيرة، وكما في الحالة اللبنانية، وكما في تعامل المملكة العربية السعودية الصارم مع شراذم الحوثيين، وكما هو الحال الآن في مملكة البحرين.
* بهدوء وحيادية ليس في حوار مع مَن أصموا آذانهم، وأعموا أعينهم عن السياسة التوسعية الإيرانية، ولكن للعقلاء مِن مَن يدَّعون، ويتبنون الفكر القومي العربي ألا يأتي دخول قوات درع الجزيرة إلى مملكة البحرين ضمن منظومة الدفاع لمجلس التعاون الخليجي، بعد طلب مملكة البحرين مساعدتها في حماية منشآتها الحيوية؟
ثم أليست المواقف الإيرانية تدخلاً في شؤون ليس من اختصاصها؟ وهل كانت تقبل أيَّ موقفٍ سعودي أو خليجي في مظاهرات الإصلاحيين الأخيرة والتي قمعتها قوات الأمن الإيرانية بكل عنف وقسوة؟! وتدخلها في الشأن العراقي إلى حد فرض رئيس وزراء بغير ما أفرزته صناديق الاقتراع، ورغبات العراقيين الانتخابية؟!
لعل في قراءة التاريخ تبصيرًا لأحبتنا الذين يؤيدون المواقف الإيرانية، وإجلاءً لصورة ناصعة لا تحتاج سوى إلى رؤية متبصّرة وصادقة.