ياسر الزعاترة

في البحرين ثمة أزمة كبيرة لا يتوقف الجدل بشأنها، سواء أكان على الصعيد الرسمي أم الشعبي في العالم العربي. وقد وصل الجدل خلال الأيام الماضية مرحلة تنذر بجعل ذلك البلد محطة نحو تصعيد الحشد المذهبي في عموم المنطقة بعد أن كان العراق محطتها الأبرز منذ الاحتلال الأميركي عام 2003.
العلامة الشيخ القرضاوي الذي كانت له صولاته في الثورة التونسية، وبعدها على نحو أوضح في الثورة المصرية، ثم بشكل أكثر جرأة في الثورة الليبية عندما أفتى بقتل العقيد القذافي، لم يكن موقفه مؤيدا للحراك الشعبي في البحرين.
الشيخ قال إن ما يحدث في البحرين هو laquo;ثورة طائفيةraquo;، بينما كانت كل من الثورات الأربع الأخرى laquo;ثورة شعب ضد حاكمه الظالمraquo;، مضيفا أن جميع السنّة هناك ضد جميع الشيعة، فضلا عن أن الثورة ليست سلمية بالكامل.
وقال الشيخ إنه لم يتحدث في الأمر لأنه لا يملك المعلومات الكافية عما يحدث، وأنه يتمنى أن يجتمع العقلاء من الشيعة والعقلاء من أهل السنة ويتحاوروا، مشيراً إلى دعوة ولي العهد للحوار. هذا الموقف ردّ عليه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خلال كلمة مطولة في احتفال أقيم في بيروت لدعم الثورات العربية يوم الجمعة الماضي، وقد خصّ فيها الوضع البحريني بوقفة أطول مفتتحا بالتعريض بكلام الشيخ القرضاوي، وعلى نحو ينطوي على إساءة ما كان له أن يقترفها، هو الذي يعلم ما للشيخ من قيمة معنوية في الوعي الجمعي لعموم أهل السنة.
نصر الله قال في خطابه ما نصه laquo;أنا أستغرب كيف يدعو البعض ويقف ويقول: يجب على أهل مصر أن ينزلوا إلى الشارع، ثم في ليبيا يقف ويقول اقتلوا القذافي، ولكن عندما تصل النوبة للبحرين حيث لا يريد أحد في المعارضة أن يقتل أحدا ينكسر القلم ويجفّ الحبر وتخرس الألسنة ويصبح الكيل بمكيالينraquo; (نسي نصر الله أن موقف إيران من ثورة تونس وليبيا لم يكن مؤيدا، خلافا لموقفها من ثورة مصر).
واعتبر نصر الله أن لا فرق بين نظام البحرين ونظام مبارك والقذافي، وهنا كان الرجل ذكيا، إذ استبق مطالبته بموقف من سوريا التي بدأ تحرك الشارع فيها عبر القول إنه لو كان النظام مقاوما أو ممانعا لقلنا للناس فتشوا عن مقاربة أخرى لتسوية الأمر.
كان لافتا استخدام نصر الله لمصطلح laquo;المظلوميةraquo; غير مرة، وهو مصطلح شيعي كما هو معروف، ما يؤكد كلام الشيخ القرضاوي على نحو من الأنحاء، أي أنها ثورة المظلومين الشيعة ضد الظالمين السنة، لاسيَّما أن السنة هم جميعا ضد الحراك الشيعي (مع النظام بحكم الأمر الواقع)، باستثناء حفنة قليلة لا تذكر.
وهنا لم يكن مقنعا قول نصر الله إن laquo;النظام في البحرين لم يكن مهددا بالسقوطraquo;، لأن من الواضح أن سقف الحراك الشيعي هو تغيير النظام، وأقله إجراء تغييرات دستورية شاملة تحيل الحكم الفعلي إلى الغالبية الشيعية، بينما يتحول السنّة إلى أقلية.
تدخل نصر الله الحاسم لصالح الحراك (الشيعي) البحريني، والذي وصل حد تقديم التوجيهات للثائرين بضرورة السمع والطاعة لقيادتهم laquo;الحكيمةraquo; و laquo;الشجاعةraquo;، هذا التدخل كان سابقا على تدخل المرشد الإيراني خامنئي، ولاحقا على تصريحات الرئيس نجاد وسواه (المرشد رفض التحرك الشعبي العراقي!!)، مع ضرورة الإشارة إلى أن جميع الفعاليات الشيعية في الخليج والعراق والعالم أجمع قد تدخلت أيضا، ما أكد البعد المذهبي للقضية، وتالياً التصعيد الذي يطل برأسه من خلالها، والذي يشمل العالم العربي والإسلامي برمته.
هي أزمة بالغة التعقيد في واقع الحال، ففي حين لا يبدو من حقنا إنكار حق الغالبية الشيعية في الحكم في ظل قانون ديمقراطي عادل، فإن الأمر يستحق مقاربة أخرى تبعا للإرث التاريخي والواقع المعقد القائم، ألم يلمّح نصر الله لوضع دول المقاومة والممانعة وعينه على سوريا التي يعرف الجميع خصوصيتها على ذات الصعيد؟ مع أننا نرفض اعتبار المقاومة والممانعة سببا لرفض الإصلاح السياسي.
يعلم نصر الله أن النظام البحريني، ومن ضمنه السنّة قد يفضلون الالتحاق بالمملكة العربية السعودية على أن ينقلب الوضع لصالح الطرف الآخر في ظل حساسيات مذهبية عالية، ومخاوف من العيار الثقيل، كما يعلم أن دول الخليج لن تقبل بانقلاب الوضع في البحرين بأي حال، وما إرسال قوات درع الجزيرة سوى مؤشر أوليّ على ذلك، وفي هذا السياق تحديدا تلتقي الأنظمة هناك مع الشعوب، بل إن الشعوب تبدو أكثر حساسية من الأنظمة.
من هنا، فإن الوضع في البحرين يستحق مقاربة أخرى تقوم على الحوار الذي يفضي إلى منح الشيعة وضعا أفضل في النظام السياسي وسائر الحقوق الأخرى بانتظار انحياز العالم العربي برمته إلى روح المواطنة الكاملة بعيدا عن التصنيفات المذهبية والعرقية (لا ينبغي أن نلغي حلم الوحدة إذا كنا نؤمن بمشروع الأمة الواحدة). أما الإصرار على التغيير الشامل مهما كان مسماه الخارجي فلن يعني غير الحرب الأهلية، في ذات الوقت الذي سيساهم في تصعيد الحشد المذهبي في عموم المنطقة. والخلاصة أننا نختار مصلحة عموم الأمة على تحقيق العدل الكامل في سياق محدود.
من المؤكد أن نزع فتيل الأزمة يحتاج إلى تفاهم عربي إيراني، لاسيَّما بعد عودة مصر إلى لعب دور محوري في المنطقة، والأزمة هنا لا تنحصر في البحرين، وإنما تشمل العراق وعموم النقاط الإشكالية في العلاقة بين الطرفين، ومعها وحدة الأمة في مواجهة التحديات الخارجية، وعلى رأسها تحدي المشروع الصهيوني. وفي هذا السياق كلام كثير لا يستوعبه مقال من هذا النوع.