بغداد - إسراء كاظم طعمة

لم يعرف العراق عالم الإنترنت وخفاياه، إلا منذ سنوات قليلة، وتحديداً بعد الحرب عليه العام ،2003 لأن ldquo;الإنترنتrdquo; كان واحداً من الممنوعات في العراق حاله حال الهاتف الخلوي والقنوات الفضائية والمؤسسات الإعلامية المملوكة للقطاع الخاص، وهي إجراءات جعلت ldquo;الجمهور المستقبلrdquo; لا يتلقى إلا ما تطرحه وسائل الإعلام العراقية الحكومية .

وهكذا عاش المجتمع العراقي في عزلة ثقافية وفكرية داخلية فرضت عليه من الداخل بسبب الموانع التي ذكرتها، ومن الخارج جراء فرض الحصار الاقتصادي على العراق الذي دام أكثر من 13 عاماً، جاءت النتيجة بجمهور لا يأبه بالتواصل والتفاعل لما تطرحه وسائل الإعلام كونها وسائل محكومة باستراتيجية مخطط لها من قبل جهات عليا تحدد الصالح والمفيد والضروري والمناسب لكي تسمح له بالنشر، وهي معايير منوطة بسياسة الدولة ومصلحتها، وهكذا كانت معادلة العملية الإعلامية القائمة على الفعل ورد الفعل منقوصة كثيراً وبحاجة إلى التوازن، ومرهونة أيضاً بحرية التعبير وإبداء الرأي .

بخصوص التعامل مع عالم الإنترنت وفهم حقيقة جدواه وفائدته وغاياته لم تتكشف لجمهور مستخدميه في العراق إلا بعد سنوات مخاض طويلة . وأوجد ldquo;الإنترنتrdquo; بطبيعته عالماً افتراضياً من اهم مقوماته حرية الرأي والتعبير والفكر وتناقل الأخبار والمعلومات وآخر المستجدات في شتى بقاع العالم، وهو أمر لم يعهده العراق من قبل بتاتاً، لكن بقي التعامل مع هذا العالم من وراء حجاب، بعيداً عن التفاعل الحقيقي المثمر الذي يشكل التغيير والاختلاف .

وكان للعراق نصيبه من الثورات العربية الداعية إلى تغيير النظام الحاكم أو إلى الإصلاح ومحاربة الفساد، وهي ثورات أججتها دعوات لمرتادي الإنترنت وتم الترويج إعلامياً وفكرياً لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية، وبخصوص العراق فالتجربة كانت نادرة وفريدة حيث استجابت شرائح مختلفة من المجتمع العراقي لنداءات ومطالبات الدعوات الشبابية للخروج في تظاهرات مطالبة بالتغيير والإصلاح ومواجهة الفساد . وهنا نقطة الخروج من عنق الزجاجة، حيث الفعل ورد الفعل، حيث يكون لتجربة العالم الافتراضي مكان وحيز واقعي بعيد عن الافتراض والتخيل .

وهنا تكون جدلية الفعل ورد الفعل في التجربة العراقية في عالم الإعلام الإلكتروني قد أثبتت نجاعتها وكشفت أن هنالك حيزاً واقعياً للمشاركة في صنع القرار، وقد تمثل ذلك في انتفاضة شباب العراق ldquo;ائتلاف ثورة 25 شباط/ فبرايرrdquo; . مع الأخذ في الاعتبار أن تلك التجربة لقيت صداها بين مختلف فئات الشعب ولم تكن لها أي صبغة محددة سواء قومية أو دينية أو طائفية، بل كانت شاملة ومتكاملة وأعربت عن نفسها بكل وضوح وجلاء، وهذا يشكل تحولاً نوعياً في وعي الجمهور العراقي نحو تحولات لها تأثير كبير في المشاركة بصنع القرار السياسي .

وفي ما يخص الدوافع التعليمية، فقد شكلت الكثير من مواقع وصحفات الإنترنت فرصة مجانية ومتاحة للجميع في التعلم وتطوير الذات في شتى المجالات . واعتبرت حافزاً للتنافس وتطوير المهارات وذلك لأسباب عدة، منها أن الإنترنت مثال واقعي للقدرة على الحصول على المعلومات من مختلف أنحاء العالم، ولكونه يساعد على الاتصال بالعالم في أسرع وقت وبأقل تكلفة . كما يساعد على توفير أكثر من طريقة في التدريس، ذلك أن الإنترنت بمنزلة مكتبة كبيرة تتوفر فيها جميع الكتب سواء كانت سهلة أو صعبة . إضافة إلى بعض البرامج التعليمية باختلاف المستويات والتي بإمكان الجميع تصفحها . وكمثال قريب وواقعي ما يقدمه اتحاد الصحافيين الدوليين من دورات تدريبية في مختلف المجالات عن طريق الإنترنت إذ يقبل عليه عدد من الإعلاميين والمختصين في العراق بشكل لافت . لكن تشكل رادءة الخدمات الكهربائية والإلكترونية عائقاً حقيقياً أمام جدوى الاستفادة من خدمات الإنترنت في العراق، وهذا ما وثقه أحدث تقرير للاتحاد الدولي للاتصالات، حيث جاء العراق في المرتبة الأخيرة عربياً في ترتيب مستخدمي الإنترنت بنسبة 06 .1% .

وعلى صعيد آخر، فإن دوافع فك العزلة كانت أحد الأسباب التي قادت الكثيرين إلى استخدام النت في العراق . إذ إنه رغم كسر الحصار المفروض على العراق منذ سنوات، إلا أن الحواجز النفسية التي ولدتها الحروب والأزمات في العراق أشعرت العراقي بأنه مازال قابعاً في مصيدة الحصار، بل زادته عزلة ووحدة، وكان المتنفس الحقيقي والفعال لدى الكثير من شباب العراق هو اللجوء المنتظم إلى مقاهي النت لتناقل الآراء والأخبار والحكايات مع الآخرين سواء من محيطهم أو من خارجه في محاولة لفك حواجز العزلة النفسية التي فرضتها مفردات أزمات الحياة اليومية منها انعدام الأمن ورداءة الخدمات وتفشي البطالة . . فكان ldquo;النتrdquo; فضاء رحباً آمناً تُلتقى وتروّج فيه مختلف الآراء، وذلك اعتماداً على طبيعة طرحها وكيفية تناولها .

وهذا لا ينطبق فقط على من هم داخل العراق، بل يتعداه إلى مواطنيهم في الخارج من الذين اضطرتهم ظروف الحياة في العراق إلى الهجرة، فكان النت وسيلة متاحة للقاء الأحبة وسماعهم ورؤيتهم والتخفيف من ألم الفراق والغربة .

وهكذا فإن التجربة العراقية في التعامل مع العوالم الافتراضية للإنترنت، اتسمت بقدر واسع من التميز والاختلاف، لأنها أسهمت بشكل كبير في نجاة ldquo;الجمهور المستقبلrdquo; من نمطية الطرح الإعلامي الممنهج، وقادته إلى المشاركة في المسؤولية الاجتماعية تجاه بعضه البعض .