فيصل جلول

سجل التيار الديغولي الحاكم بزعامة الرئيس نيكولا ساركوزي هزيمة جديدة في الانتخابات الأقليمية الأخيرة، تضاف إلى سلسلة هزائمه السابقة وتضعف حظوظه في الترشح لولاية ثانية في العام 2012 . وتفيد حصيلة النتائج النهائية التي اذيعت مطلع الأسبوع الحالي أن المسافة باتت قصيرة جداً بين اليمين الديغولي المعتدل واليمين المتطرف الذي صار يتمتع بفرص أفضل للمنافسة على رئاسة الاليزيه في الانتخابات المقبلة، وإنه سيكون قادراً أن يتجاوز على الأقل حدود الدورة الأولى، كما فعل جان ماري لوبن زعيم الجبهة الوطنية المتطرفة في العام ،2001 عندما تقدم على رئيس الوزراء في حينه وزعيم اليسار ليونيل جوسبان، وحال دون أن يجتاز عتبة الدورة الأولى الأمر الذي حمله على تنحي السياسة، وهو ما زال معتزلاً حتى اليوم . ومعلوم أن النظام الانتخابي في الرئاسيات الفرنسية ينص على وجوب الحصول على أكثر من خمسين في المئة من أصوات الناخبين للفوز في الدورة الأولى وإذ يتعذر حصول أي منهم على هذه النسبة تجري دورة ثانية يتنافس فيها الفائزان اللذان حصلا على أعلى نسبة من الأصوات في الدورة الأولى بغض النظر عن تصنيفهما السياسي يساراً أو يميناً .

أما أسباب تصدع اليمين الديغولي فهي كثيرة ومتراكمة، وأولها الأزمة الاقتصادية التي تزامنت مع تولي ساركوزي رئاسة الجمهورية وفق برنامج إصلاحي يقتضي المزيد من الانخراط في السوق الحرة والمزيد من اللبرلة، فإذا بأزمة الأسواق المالية ترغمه على التخلي عن أقسام واسعة من برنامجه وبالتالي العمل على تقوية مواقع الدولة في السوق بدلاً من إضعافها، وثاني الأسباب أنه تجرأ على إصلاح نظام التقاعد وبالتالي الاصطدام بلوبي يكاد ان يكون الأهم في فرنسا والأكثر تأثيراً في الانتخابات الفرنسية، وقد سبق لممثلي النقابات المناهضة لإصلاح قانون التقاعد أن توعدوا ساركوزي باقتراع عقابي وهم فعلوا في هذه الدورة وربما يفعلون في مناسبات انتخابية أخرى، وثالث الأسباب الكبيرة يكمن في سياسة التقشف التي يعتمدها في الوظائف الرسمية، إذ قرر عدم ملء خمسين في المئة من الوظائف التي تشغر بانتقال أصحابها إلى التقاعد وهذه السياسة أدت الى زيادة الضغوط على سوق العمل وازدياد البطالة من جهة وإلى زيادة الضغوط على الموظفين الرسميين الذين بات عليهم أن يتولوا مهام المنصرفين .

ورابع الأسباب المذكورة ناجم عن التصدع في الائتلاف الحكومي حيث اختلف الأمين العام للحزب الديغولي علنا مع رئيس الوزراء فرانسوا فيون وبدا أن كلاً منهما يسير في طريق في وقت دعا فيه رئيس الجمهورية إلى وحدة الحزب ووحدة الحكم . وإذا عدنا إلى الشرارة التي اطلقت النزاع نرى أنها تتصل بالنقاش العام حول العلمانية والإسلام الذي أطلقه رئيس الجمهورية ودعا حكومته الى التوسع فيه، واتخاذ القرارت الملائمة من بعد . بيد أن رئيس الوزراء فرانسوا فيون رفض هذا النوع من النقاش الذي يعزز بنظره فرص اليمين المتطرف للعودة بقوة إلى الساحة السياسية خاصة إذا ما انحرفت المبادرة باتجاه العداء للإسلام والمسلمين وقد آثار هذا الموقف جان فرانسوا كوبيه الأمين العام للحزب الديغولي الذي حمل على رئيس الوزراء بقوة . وخامس الأسباب يتعلق بالأداء السيئ لوزيرة الخارجية السابقة ميشيل اليو ماري التي عاصرت سقوط رئيسين عربيين من أهم أصدقاء فرنسا من دون أن تكون قادرة على الارتفاع لمستوى الحدث بل ارتكبت خطأ فادحاً إذ اهتمت عشية سقوط الرئيس بن علي بصفقة عقارية في تونس عقدها والدها مع رجل أعمال مقرب من الرئيس المخلوع . وسادس الأسباب وآخرها يتعلق بحسن تصرف اليمين المتطرف الذي صار متميزاً برئيسته الجديدة مارين لوبن ابنة زعيم الجبهة جان ماري لوبن ووريثته في قيادة هذا التيار . ومعلوم ان لوبن الاب كان يتمتع بصورة عنصرية سيئة للغاية في نفوس الفرنسيين حيث مارس التعذيب في الجزائر، وكان يجمع جثث القتلى في حرب السويس عام ،1956 وقد أدلى بتصريحات عدوانية سافرة ضد المهاجرين الأجانب واليهود في حين تتمتع ابنته بتأهيل مختلف وبتخطيط منهجي من شأنه أن يلحق أذى كبيرا في صفوف الديغوليين الذين مارسوا طويلاً صيد الأصوات في حقول اليمين المتطرف وغازلوا ناخبيه بإجراءات وشعارات عنصرية مموهة أو مكتوبة بطرق ذكية .

خلاصة القول إن ساركوزي النازع لترشيح نفسه لولاية ثانية يحتاج إلى معجزة حقيقية لتوحيد حزبه وللحؤول دون تعدد الترشيحات يميناً ووقف زحف اليمين الفرنسي المتطرف ناهيك عن اقناع المتضررين من اصلاحاته بأنه فعلها لمصلحتهم البعيدة وكلها مسائل من الصعب حلها في وقت قصير، فكيف إذا كان عليه أيضاً ان ينافس عملاقاً اشتراكياً صاعداً هو رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان . في هذه اللحظات يمكن القول بلا تردد أن حلم ساركوزي بولاية ثانية في قصر الاليزيه يتصدع، الأمر الذي قد يناسب زوجته كارلا بروني التي أسرّت ساخرة أمام أحد منافسيه إنها ldquo;تتمنى هزيمته ليستقر في المنزل هادئاً هانئاً إلى جانبهاrdquo; .