راجح الخوري

تطرح quot;حرب الكرّ والفرّquot; بين الثوار الليبيين وقوات معمّر القذافي اسئلة كثيرة لا تخلو من الشكوك، في ان اميركا وقوات الاطلسي، التي تنفذ حظرا جويا هدفه المعلن حماية المدنيين، لا تقوم فعلا بعمل منهجي ميداني متلاحق يفضي الى نهاية سريعة للقتال.
قبل ثلاثة ايام اندفع الثوار في هجوم سريع اوصلهم الى تخوم مدينة سرت. حصل ذلك بعد قصف جوي مركز شنته القوات الغربية على ارتال دبابات القذافي وراجمات الصواريخ. ثم فجأة تراجعت العمليات الجوية فشنت قوات القذافي تكرارا هجوما معاكسا، اعاد سيطرتها على رأس لانوف والبريقة وبات سقوط اجدابيا امرا محتملا مع ما يحمله من مذابح قد يتعرض لها الثوار.
تأتي هذه التطورات المتكررة والمحيرة، بعد اسابيع من صراخ الثوار مطالبين بأسلحة مناسبة تساعدهم في حسم المعركة، من دون استجابة واضحة من الخارج رغم ما قيل اول من امس عن امر رئاسي سري اميركي بتسليح الثوار!


***

امام استمرار quot;حرب الكرّ والفرّquot; هذه، بات من الضروري طرح اسئلة مفعمة بالشكوك حول النيات الحقيقية للتدخل الدولي وفرض الحظر الجوي. ومن هذه الاسئلة مثلا:
* اولا: لماذا يتأخر تسليح الثوار، وكيف تتم برمجة عمليات القصف بما يؤدي الى التقدم والتقهقر مع ما يحمله هذا من الدمار والخسائر؟
* ثانيا: هل المطلوب عمليا خلق توازن في القوى، اذا حصل التسليح فعلا، بما يؤدي الى حرب اهلية طويلة؟
* ثالثا: هل تأخُّر التسليح هو بسبب شكوك في ان quot;القاعدةquot; دخلت على خط الثورة؟
* رابعا: اذا صح هذا، هل يمكن الشك في ان المطلوب عمليا الآن هو انهاك قوات القذافي والثوار في حرب طويلة تمهد في النهاية لنزول عسكري غربي اسهل الى الارض؟
* خامسا: هل هناك ادنى شك في ان الهدف الجوهري الثمين، الذي تحرص قوات التدخل عليه، هو في النهاية الحصول على حصة من الكعكة النفطية الليبية ولكن بأثمان عسكرية غير محرجة امام الرأي العام؟


***

امام اسئلة من هذا النوع، يبررها المسار المتذبذب للمعارك، بما يوازي المسار السياسي الغربي الاكثر ترددا وتذبذبا، تبرز قطر مرة اخرى في دور متقدم واضح وشجاع يحرص على انهاء الازمة الليبية بتنحي القذافي، وهو ما اعلنه رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم في خلال مؤتمر quot;مجموعة الاتصال لليبياquot;، الذي عقد في لندن حيث قال: quot;اننا نحض القذافي والمحيطين به على الرحيل... وقد تكون امامه بضعة ايام فقط للتفاوض في الخروجquot;.
واذا كان القذافي سيقاتل حتى آخر نقطة من دمه كما قال، او بالاحرى حتى آخر نقطة من دماء شعبه، فان النصيحة القطرية لاقت صداها، على ما يبدو، عند وزير خارجية ليبيا موسى كوسى، الذي انفصل عن القذافي ولجأ الى لندن. ومن المؤكد ان انفصاله يشكل عملية قطع quot;لسان سياسيquot; للنظام، لانه هو الذي قام بصياغة التحول في سياسة ليبيا بما اعادها الى صفوف المجتمع الدولي.
صحيح ان الحضور العربي كان ممثلا في مؤتمر لندن بقطر والاردن والمغرب وتونس ولبنان ودولة الامارات، ولكن الحراك السياسي النشيط والهادف الذي بذلته قطر ادى الى الاتفاق على ان يعقد الاجتماع الثاني في الدوحة، التي باتت تلعب دورا محوريا في ازمات وقضايا عربية ومحورية بفضل السياسة التي يطبقها اميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
لعل آخر دليل على المبادرات التي تأتي منه، انه في الوقت الذي ترتفع آلاف التصريحات والمواقف الدولية والعربية، خوفا على الوضع المأسوي الذي يعيشه المدنيون تحت نيران القصف والدمار، وخصوصا في مدن الشريط الساحلي، التي تشكل ميدان حرب بات يفتقر الى الحاجات الانسانية الضرورية، في هذا الوقت بالذات اعلن اول من امس عن هبوط اول طائرة في مطار بنغازي وكانت اقلعت من قطر حاملة ادوية وامصالا وحليبا للاطفال ومواد غذائية ضرورية، وهو ما قد يفتح المجال لمد يد المساعدة الانسانية والاخوية لليبيين من دول اخرى.
واذا كان القرار 1973 يهدف الى حماية هؤلاء المدنيين من البطش، فان قطر التي سبق لها ان ارسلت سفينة مساعدات الى بنغازي تهدف على ما يبدو الى ما يوازي القرار 1973 بدعم صمود حياة الاطفال في ليبيا.
وفي اي حال يتذكر الجميع انه عندما وقَعَت الجامعة العربية والسيد عمر موسى في التلعثم غداة صدور القرار 1973، انقذت قطر سمعة الجامعة والعرب، بموقفها الواضح والصريح المؤيد لقيام مظلة دولية تحمي المدنيين الليبيين.