ظافر محمد العجمي
قبل 7500 سنة قرضت الفئران سفينة نوح عليه السلام. وفي عام 1347م تسللت الفئران في الصين الموبوءة بالطاعون إلى سفن إيطالية هناك، لتنشره في أوروبا وتقتل ثلث السكان خلال عشر سنوات. وفي 1969م أقرت منظمة الصحة العالمية شهادة إبادة الفئران والجرذان في السفن، حيث صادقت عليها الدول العربية لكنها فشلت في فهم المعنى الأوسع للفئران إذا اعتبرنا أن كل زعيم عربي هو ربان سفينة بلده, وأن شعبه هم البحارة والركاب، وأن كل مفسد هو من فئران السفينة. ففي تونس تعلم الأطفال أن بن علي هو هانيبعل قائد السفن القرطاجية الذي غزا روما عام 218 ق.م. وفي مصر كان مبارك هو ريس المركب الفرعوني. وتتنوع السفن العربية، لكن العامل المشترك فيها كان كثرة الظلام والممرات الضيقة والدهاليز المعتمة التي كانت ملاذا لفئران بشرية متعددة الأشكال والأحجام. باستثناء ليبيا التي كان القذافي يرى أن الجرذان هم من كانوا خارج سفينته. لقد تقافزت الفئران حين أوشكت السفينة على الغرق، حاملة الطاعون الملازم لها منذ أن عرفت تسلق الحبال في الموانئ جراء تقصير الربان في واجبه. ولا نريد التوسع في مقدمة الفئران السابقة -أجلّكم الله- لكنها مدخل إلى جملة حقائق فرضتها تحولات الشارع العربي الحالية، والتي دفعت الفئران البشرية للقفز دون أن يتنبه أحد لها. ويمكن حصر القافزين بعد سقوط بن علي ومبارك واهتزاز حكم القذافي وزعماء آخرين في شرائح اقتصادية وسياسية وأمنية وثقافية:
1. وفقا لصحيفة الفيننشيال تايمز قبل أسابيع، وضعت بريطانيا التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة تسهيلات وقوانين مفصلة لفئران السفينة العربية الغارقة، فمن يودع 5 ملايين جنيه إسترليني في أحد المصارف البريطانية يُمنح الإقامة بعد ثلاث سنوات فقط، أمَّا من يودِع مبلغ 10 ملايين جنيه إسترليني فأكثر، فسيحصل عليها خلال عامين فقط. فإذا كانت لندن ذات القوانين والضوابط المعقولة إلى حد ما تفعل ذلك، فما فرص أموالنا المسروقة إلى بنوك الكاريبي وجزر كيمان وأوروبا الشرقية وهي التي لا تنظر لمصدر الأموال أبدا؟
2. كبار رجال الأحزاب المستبدة التي اغتصبت (صفة الحزب الحاكم)، وعاشوا كالعلق، ومنهم البعثيون الذين تقافزوا من سفينة الطاغية صدام، ليغتصبوا (صفة المعارضة) وليعودوا بعد عام 2003م بطاعونهم وموبقاتهم، كما يضاف لهذه الفئة المستشارون والخبراء الذين كانوا ذراعا تبريرية للطغاة، كما تقافز الوزراء والمحافظون والسفراء من الانتهازيين والوصوليين محاولين الانضمام للمتظاهرين في اللحظة المناسبة.
3. لقد تقافز أيضا رجال الأمن من جلادي كل مؤسسات الخوف والملوثة أيديهم بدماء الشهداء، بعد أن ألقوا ببذلات العنف وارتدوا مُسوح الرهبان واندسوا في الحشود. بل أكاد أجزم أنهم قد تلقوا عروض عمل في ملاذات آمنة في دول عدة تحتاجهم لقمع شعوبها.
4. في خطوة ناجحة حصر الشباب المصري أسماء المطبلين لعصر مبارك من رجال الإعلام والثقافة والرياضة والفن على موقع للعار. كما تكشفت حقائق مخجلة لفنانين خليجيين كبار غنوا كلمات تافهة للقذافي نظير ثمن بخس من قوت الليبيين. كما أن من الفئران التي تقافزت العديد من تجار الدين الذين أسهموا في تزييف وعي المواطنين وتضليل عقولهم.
لكن أخطر القافزين من السفينة الفاسدة هم قناصو الفرص الذين يحاولون سلب إنجازات الشباب بحثا عن الزعامة، لنعود لدائرة الفساد. فهل يستطيعون ذلك؟
نعم، ففي عام 1928م استطاع والتر إلياس ديزني جعل الفأر ميكي ماوس أكثر قبولا من خلال إضفاء صفات إنسانية لشكله، فخرج علينا وله عيون بملامح بشرية، وبحدقة متحركة لإظهار انطباعاته، ورموش وحواجب، فأحبه الصغار والكبار ونسوا أنه فأر نتن بعد أن تحول من مخلوق قبيح إلى دمية لطيفة. وفعل مثله الكثير من الذين راهنوا على ضعف ذاكرتنا ونجحوا بالتبرير العاطفي الهزيل لمواقفهم السابقة، واتباع الواقعية المكيافيلية. ولأن لعودتهم أو نجاتهم بفعلتهم انعكاسات مأساوية ومستدامة على أحوال أوطاننا، لا يبقى لنا إلا التسلح بموروثنا الشعبي القائل laquo;ما في الفئران فأر طاهرraquo; وعلينا عدم التسامح معهم, بل تعقبهم حتى ينالوا العقاب ولو كانوا بوداعة ميكي ماوس.
التعليقات