يوسف الكويليت

لم نكن يوماً في حال صدام، أو ابتداع خلافات مع إيران، لأن المساحة الدبلوماسية في التفاهم تتسع للجميع بحلّ مختلف القضايا، وقد تعاملنا مع حكم الشاه ثم نظام الخميني بالكثير من الصدق والشفافية، وكان كلّ من رافسنجاني، وخاتمي على وفاق تام في العديد من النقاط التي تجمع المملكة مع إيران، وبقيت الخلافات المذهبية أو السياسية تعالَج بالمنطق وعدم التصعيد عندما يجمعنا عالم إسلامي نسعى جميعاً لأنْ نتحالف ضد الهجمات والتشويه الذي حدث ما بعد ١١ سبتمبر، واستغلته قوى خارجية لم تفرق بين مذهب وآخر..

السلطة الراهنة أخذت مبدأ التصعيد فلسفةً لها، مرة تأزيم لبنان من خلال حزب الله، وأخرى الدخول على خط دعم الحوثيين، ثم إعلان وصايتها على كلّ شيعي في الوطن العربي بلغة (الحاكم بأمره) بينما هم عرب مواطنون شأنهم مع أي فئة أو عناصر تتخذ أي مذهب أو توجه سياسي أو ثقافي تعالج قضاياهم داخل البلد الذي ينتمون إليه ويحملون هويته، لكن الصورة المشوّشة عند القيادة الإيرانية اختلفت، فهي في حالة صدام مع مختلف القوى معتقدة أنها قادرة على لعب دور أكبر من تأهيلها السياسي والعسكري وقد انعكس ذلك سلباً على وضع شعبها الذي أصبح أي فرد فيه يدخل بلداً آخر يطارَد بتهمة التجسس، أو خلق فوضى جديدة، وهي قاعدة جاءت مع النظام الجديد، وتحسين صورة إيران لا تأتي بخلق بطولات وهمية، أو بعلل لا تتفق مع نزعة (عولمة) التعايش وفق المصالح..

إيران أكثر احتياجاً لدول الخليج العربي من الحاجة إليها، ومع ذلك فمبدأ أن يتحول السلوك السياسي إلى غطرسة، أو خلق مشكلات لا تتفق واستقلالية قرار كل بلد، عجزت عن إملائه قوى أكبر من إيران عندما اصطدمت بواقع لم تتخيله، وقد بذلت الدول المحيطة بإيران سواء العربية، أو آسيا الوسطى محاولات عديدة في رسم خطوط سياسية لا يطغى عليها التفسير الخاطئ بأن كلّ من يحاور إيران، أو يحاول التقرب منها يجاملها خشية منها، وهذا التخيل خاطئ لأن لكلّ بلد مصدر قوته وخطوط دفاعه، وقد كنا نريد إزالة حالات اللبس والريبة التي استوطنت العقل السياسي في إيران، والمشكل أننا اصطدمنا بمفاهيم لا تنزع إلى فهم الآخر في إطار العلاقات الدولية، وقد كنا، وبصدق، نرى أن العالم الإسلامي أقرب للتصالح والتفاهم بصرف النظر عن المذهب والهوية وعقدة التاريخ، لأن الجامع لنا واضح ومتفق عليه، وتبقى التفسيرات المضلّلة هي المشكل..

قلنا مراراً إننا لسنا في حالة حرب مع إيران غير أن التصورات التي خلقت هاجس الريبة مع السلطة الراهنة، وأن كل دول الخليج جواسيس لأمريكا وضد إيران هي تخوّف نبت في رأس من يعيش هذا التفكير، وإلا فأمريكا موجودة في كل أوروبا بقواعدها ونفوذها، وكذلك في العديد من الدول الآسيوية، ومع ذلك فالكلّ يتعامل مع حلفاء أمريكا بدون عقد أو أحكام مسبقة، وعلى إيران فهم المتغير العالمي حتى لا تقع في أزمات علاقاتها المتخيلة بهاجس العداوات وحدها..