خالد عزب


ستذهب مصر خلال أشهر إلى انتخابات رئاسية ستكون الأولى من نوعها، فالرئيس المصري هو وريث الفرعون، يتمحور حوله كل شيء، وسلطته مطلقة بلا حدود، وفق الأدبيات الفرعونية القديمة وما توارثه المصريون عبر العصور، فهُمِّشت مؤسسات الدولة أمام سلطته.

لكن الديموقراطية الغربية جاءت بإبداع غير مسبوق، وهو تقييد فترة حكم الرئيس، وهو ما ذهبت إليه مصر في الإعلان الدستوري الأخير، بإقرار نظام مختلط يجمع بين الرئاسي والبرلماني، لأن طبيعة الشعب المصري وموروثه يقتضيان ذلك، فرئيس الدولة بالنسبة الى المصريين رمز السيادة الوطنية، والمعبِّر عن آلام الأمة وتطلعاتها، لذا فتهميش الرئيس لمصلحة رئيس الوزراء لن يكون ملائماً للطبيعة المصرية.

ويبدو النظام الفرنسي الأقربَ لمصر، فستكون مؤسسات الدولة شريكةً للرئيس في قراراته، وسيكون لديه صلاحيات القرارات الإستراتيجية وليس الدخول في شؤون الدولة جميعها. لذا، إذا افتقد أيُّ مرشح للرئاسة رؤيةً لمستقبل الدولة وأهدافها وحلولاً لمشاكلها، فلن يكون له حظ في الوصول إلى المنصب، وتفترض هذه المنظومة الجديدة أن المسؤولين جميعاً يتحملون مسؤولية لامركزية فعلية، وليسوا في انتظار تعليمات الرئيس.

كاريزما الرئيس ضرورية، وملازمة له، لأنه المعبِّر عن الدولة والشعب، وقد أدرك جمال عبدالناصر ذلك، فاهتم حتى بأصغر الصغائر، لبناء صورته كخطيب، ولبناء علاقته بالمجتمع. وكان الطلاب، وعامة الناس، منبهرين بكاريزما الزعيم، لذا كانوا يرسلون طالبين صورة شخصية منه، سرعان ما يقوم مكتبه بإرسالها ممهورة بتوقيعه. تخيَّلْ طفلاً في نجع في صعيد مصر، أو في منطقة منسية مهملة، تصله فجأة أمام أهل قريته رسالة من رئيس الجمهورية فيها صورتُه موقعةً، فكيف سيكون ردُّ فعل أهل القرية؟ لا شك في أنه سيكون كبيراً، وهذا ما يفسر لنا صور عبدالناصر المنتشرة إلى الآن فى ريف مصر ومدنها.

كما كان السادات رجلَ إعلام، عشق الصحافة منذ صغره، لذا كان من المتوقع أن تستقل شخصيته عن شخصية محمد حسنين هيكل، الإعلامي البارز الذي لعب دوراً كبيراً في صناعة صورة شخصية عبد الناصر أمام الرأي العام المصري والعربي والدولي، ولعل هذا كان المنشأ الحقيقي للخلاف بينهما بعد عام 1973، على رغم كونهما صديقين، لكن السادات أراد أن يقدِّم نفسه برؤيته التي اكتسبها وبناها من عمله في الإعلام، فقدم نفسه في قريته كفلاّح ينتمي لكل فلاحي مصر، وفى القاهرة كممثل للطبقة الوسطى.

الرئيس المقبل لمصر هو رئيس مرحلة انتقالية، إذ يبدو في الأفق أن تركيبة الدولة المصرية في طريقها الى التغيير، بدءاً من التوجه نحو انتخاب عمداء القرى ورؤساء المدن والمحافظين، إلى تعزيز دور النقابات المهنية واستقلالية الجامعات، فصعود الدور المؤسَّسي لكل إدارات الدولة، وانتهاء بالمركزية المطلقة للعاصمة القاهرة، ولهذا سيكون الرئيس المقبل لفترة انتقالية، وليس نتاجاً للتحول في مصر، وستشهد مصر بعده 15 رئيساً جديداً سيكونون نتاجاً لتغيير طبيعة الدولة.

ولكي يفوز أي مرشح في الانتخابات المقبلة، لا بد له من التركيز على برامج خدمة صعيد مصر والدلتا بالدرجة الأولى، حيث تتمركز الكتل التصويتية، كالجعافرة والعبابدة، في أسوان وقنا والقبائل العربية من الشرقية لسيناء، والعائلات الكبيرة وعصبياتها في مدن مصر المتوسطة والصغيرة.

بدأت مصر تشهد أسماء في السباق الرئاسي، والدبلوماسية المصرية طرحت إلى الآن مرشحَيْن، هما: عمرو موسى، ولديه شعبية لدى البسطاء، لكن المثقفين يطرحون حوله تساؤلات، كونه شريكاً في نظام مبارك، وإن بدا مختلفاً في السياسات الخارجية، ويعوقه أيضاً تقدمه في السن، فضلاً عن خطابه غير المحدد.

والمرشح الثاني من مدرسة الدبلوماسية المصرية هو الدكتور محمد البرادعي، وهو نتاج الطبقة الوسطى المصرية التقليدية، انشق عن نظام مبارك للعمل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، اكتسب خلالها خبرات سياسية، لكنه يفتقد كاريزما الزعيم، التي لا شك كانت وستظل مؤثرة على اختيارات المصريين، كما أن حملات نظام مبارك المتتالية على شخصه أثرت في صورة البرادعي لدى البسطاء، وإنِ اكتسب صدقيةً عبر مواقفه السياسية المحسوبة بدقة، وقدرته على تحليل الأوضاع الراهنة للوصول إلى نتائج اقرب الى الواقع.

وبين عمرو موسى ومحمد البرادعي، يبرز على الساحة نبيل العربي، الذي بدأ يكتسب شعبية من حضوره الشخصي وسياسته الخارجية، وبدأت دعوات على الـ laquo;فايسبوكraquo; لترشيحه، كونَه يجمع مميزات كل من البرادعي وعمرو موسى.

كما أن الحركة الطالبية في جامعة القاهرة في سبعينيات القرن العشرين، أخرجت مرشحين للرئاسة، أولهما حمدين صباحي، الناصري الهوى، وهو ذو شعبية فى أوساط الشباب والقوميين العرب، فضلاً عن أن خطابه يميل إلى الطبقة الوسطى والفقراء، وكان له دور كبير فى معارضة نظام مبارك.

وبرز أيضاً اسم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، من جماعة الإخوان المسلمين، فهو ذو شعبية في أوساط شباب الإخوان، لأن خطابه يميل نحو فصل الجماعة الدعوية للإخوان عن العمل السياسي، فضلاً عن تفهمه الكامل للدولة المدنية، وشخصيته جذابة، بحكم تكوينه وممارسته السياسية عبر سنوات طويلة.

لكن هناك احتمالاً لمرشح اصغر سناً، هو المحامي عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، وخطابه السياسي أكثر تطوراً من خطاب جماعة الإخوان، واكتسب حضوره من ممارسته كرئيس لاتحاد طلاب جامعة القاهرة في الثمانينات.

ومن القضاء، يبرز اسم المستشار هشام البسطويسي، صاحب الدور في معركة استقلال القضاء ضد نظام حكم مبارك، كما عُرف عنه نزاهته، لكنه يفتقد العلاقات الدولية التي لدى عمرو موسى والبرادعي، وحضوره إلى الآن محصور في مسقط رأسه وبعضِ أوساط المثقفين والشباب، لكنه يحتاج الى مجهود كبير لجمع تكتلات تصويتية معه.

يبقى آخر المرشحين أيمن نور، فهو يحظى بقبول بين بعض الشباب، وقد خاض معركة رئاسية ضد مبارك عام 2005، سُجن بعدها، ولكن لا توجد قناعة لدى جيله أنه يمكن أن يمثِّله، فضلاً عن أن المصريين باتوا لا يميلون إلى أي اسم مرتبط بعصر مبارك وإن كان من منافسيه.

هذه الأسماء كلها، وغيرها، تطرح تساؤلات حول شخصية الرئيس المقبل لمصر، لكن يبقى الأهمَّ هو أن المصريين لن يختاروا سوى رئيس يقتنعون قبل كل شيء أنه سيكون رمزاً للدولة المصرية، وممثلاً لطموحاتهم وتحدياتهم.