مأمون فندي
مصر رايحة على فين؟ سؤال سأله لي أكثر من مائة مصري، وجميعهم يظنون أن لدي إجابة واضحة. وكان دائما ردي هو بسرعة كام؟ وبأي نسبة تلوث؟ قلت لأحدهم إن مصر تشبه سيارات التاكسي التي تجوب شوارع القاهرة، قديمة وبطيئة ويخرج منها عادم كثير يلوث الهواء، وكانت قبل الثورة مثل سيارة أجرة تعمل باليومية لمصلحة مجموعة معينة من الأقارب والأصدقاء ممن يديرون عجلة الحكم والفساد معا. من أولى نتائج الثورة وربما آخرها هو عزل سائق هذه السيارة القديمة (المواطن حسني مبارك) في شرم الشيخ والتحقيق معه ومع أسرته فيما يخص بعض الحوادث والأعطال التي سببوها لهذه السيارة. وبدلا من إجراء أي تعديلات لهذه السيارة القديمة، من موتور جديد أو مرشحات للعادم الملوث للبيئة، تركنا السيارة كما هي وغيرنا السائق فقط. إذن وبهذا الوضع، فإن أي فرد سيأخذ المفتاح ويحاول أن يركب هذه السيارة القديمة فسيتحرك بنفس السرعة القديمة، ويثير ذات الضجيج في الشارع، وينتج عن تلك الحركة نفس العادم الملوث للبيئة.
في مصر، هناك أحاديث كثيرة عن شرف من يديرون السيارة هذه الأيام أو طهارة يدهم، إلى آخر هذا الكلام laquo;اللي لا يودي ولا يجيبraquo;، المشكلة لم تكن أبدا في السائق، المشكلة في السيارة ذاتها التي laquo;بهدلها السائق السابق، وضيعتها قوانين الطرق السابقة والسير في الممنوع. ما الجديد اليوم، السائقون الجدد لم يلتفتوا لما أصاب السيارة من عطب، فقط يريدون تغيير السائق. قرروا أن يغيروا بعض قواعد السير من خلال بعض التعديلات الدستورية والإعلان الدستوري، ومع ذلك فهذه القواعد تصلح للسيارة القديمة المهلهلة، بمعنى أنه ليس هناك نية لتغيير السيارة، فقط تسييرها لفترة حتى يختار الوطن laquo;سواقraquo; جديدا. laquo;يا عم المشكلة كانت زمان في السواق، أما الآن وبعد خراب السيارة المشكلة في السيارة، حتى لو جبت لها سواق من وكالة الفضاء الأميركية ناساraquo;. غيروا السيارة كلها، أو هاتوا موتورا جديدا. لكن يبدو أن الموضوع برمته لن يحدث لأن القائمين على الحكم اليوم يتعاملون مع المشهد وكأنهم فقط يريدون أن يجعلوا موتور السيارة يعمل ولو بكفاءة محدودة، فقط يدور ويعمل صوتا ثم يسلموها للسواق اللي جاي. وقال إيه، السواق اللي جاي قادم باختيار الشعب وبالاقتراع الحر المباشر. يا عم السيارة منهية، والناس بتفك الصاج والمسامير وبتجري بأجزاء منها في الشوارع، من خلال حالة البلطجة السائدة في كل مصر.
والبلطجة في مصر اليوم ليست بلطجة سيوف وسنج ومطاو، البلطجة في مصر هي نظام كامل، بلطجة سياسية وبلطجة إعلامية، فالبلطجي في مصر اليوم ليس مجرد شخص من الأحياء الشعبية رافع سنجة وعلى كتفه وشم مخيف، البلطجي اليوم هو أستاذ لابس بدلة ثلاثة قطع، أو يملك فضائية، أو عنده برنامج تلفزيوني أو عنده صحيفة، البلطجة أوسع بكثير. مبارك أسس لنظام يقف على عمودين، العمود الأول هو الفساد والثاني هو البلطجة. وفي هذه الأجواء من البلطجة، أيا كانت مهارة القائمين على الحكم، فالحل ليس في تلصيم السيارة أو تغيير السائق، الحل في تغيير السيارة كلها.
غيروا السيارة يا جماعة. كذلك غيروا قوانين المرور كلها. أيضا لا بد أن نعي في مصر أن تغيير السيارة وحده لا يكفي، فمهما غيرنا في السيارات لا بد من رصف الطرق وتغيير قوانين السير، فقط عندما يكون الطريق واضحا نستطيع أن نعرف laquo;مصر رايحة على فينraquo;. أما الآن فمصر مش رايحة أي مكان، وربما من الأفضل لها أن لا تتحرك من مكانها. من الأفضل إنها ماتروحش حتة وتفضل في مكانها، لأنها لو تحركت من موقعها الآن في ظل الطرق السيئة وفي ظل موتور السيارة المهلهل، وأجواء البلطجة السائدة التي تشكل البيئة الحاكمة للمشهد، والمنزلقات التي أمامنا في الطريق، فإن مصر لن تروح إلى أي مكان آمن، مصر اليوم ومتى ما تحركت في أي اتجاه، ومهما كانت مهارة السائقين الذين هم في الأساس وحتى هذه اللحظة كلهم من نظام مبارك القديم، فإن مصر مش هتروح أي مكان لو تحركت، فقط هتروح في داهية، إلا لو عض المجلس العسكري على الرصاصة، ورمى الموتور القديم وأتى بموتور جديد، وكل المؤشرات تقول إن المجلس ليست لديه لا الجرأة ولا روح المقامرة، فقط يريد أن يسلم السيارة للرئيس القادم وهي بتدخن، وبتعمل صوت إنشاالله تضرب في وشه في اليوم التالي.
التعليقات