أمجد عرار

بين الرواية الرسمية السورية وروايات وكالات الأنباء والفضائيات، يضع الإنسان العربي رأسه بين كفّيه حائراً إزاء المشهد الساخن في بلد لم تكن حرارته منخفضة أصلاً . هناك نوعان من الناس لا تنتابهما الحيرة، فالمسألة سهلة بالنسبة لهما .

الأول مؤيّد للنظام ويثق به ثقة عمياء، يتلقّف الرواية الرسمية ويقبل كل ما يقوله النظام، وهذا منهج لا يخدم صاحبه ولا النظام . والثاني حاقد لأسباب مختلفة، وهو جاهز لتبني أية رواية تنسجم مع موقفه المسبق، وبين هذا وذاك هناك من يختلف مع النظام ويطالب بإصلاحات حقيقية تصب في مصلحة الشعب السوري .

نسجّل سلباً على النظام السوري إقفال أبوابه على وسائل الإعلام، وفي ظل الموقف العام السلبي إزاء الإعلام الرسمي، بات محكوماً بالكذب على كل ما يقوله إعلام النظام، من جانب أعدائه وخصومه والمختلفين معه . فهؤلاء يتلقّفون، بالمقابل، أية رواية من ldquo;شاهد عيانrdquo; أو ldquo;ناشط حقوقيrdquo; لا يعلم أحد ماهيّته، علماً أن من المدمّر للعقل والحقيقة أن تكون آلية ldquo;شاهد عيانrdquo; أو ldquo;ناشط حقوقيrdquo; المصدر الوحيد ل ldquo;المعلومةrdquo; في قضايا كبرى تتعلق بمصائر الشعوب . القضيّة هنا أهم وأخطر من المناكفة البلهاء بين مؤيد ومعارض، أو تصفية حساب مع خط سياسي يختلف معه بعضنا، لأن الأنظمة قابلة للاختلاف بشأنها، أما الشعوب فلا .

لكن بعيداً عن الجدل العقيم مع المواقف المسبقة، لا يفيد النظام، بل يفيد هؤلاء، الاكتفاء بتكرار المؤامرة الخارجية ورواية ldquo;المجموعة المسلّحةrdquo; لتفسير الأحداث، لأنه عندما يتعلّق الأمر بحياة وموت الناس، لا يستطيع أي نظام في الكون أن يحرف تعاطفنا بعيداً عنهم لصالح النظام . لا نستبعد وجود مجموعات مسلّحة في بلد مستهدف، لكن مواجهتها وحماية أرواح الناس، مسؤولية النظام .

بمعزل عن أي الروايات أصدق، نستطيع أن نتحدّث بما لا علاقة له بالروايات، فسوريا تشهد احتجاجات وأحداثاً أمنية خطرة . صحيح أن سوريا تجاوزت قبل هذه، أحداثاً ومؤامرات خطرة أيضاً، لكن إذا اعتمد النظام على هذا المعطى، فإنه يرتكب خطأ قاتلاً، لأن خطورة الأحداث الراهنة أنها تقع في ظل مناخ عربي مختلف . المؤامرات الخارجية، موجودة دائماً، لكن على النظام أن يقطع الطريق عليها بخطوات جدية وجذرية على صعيد الإصلاح . لقد أعلن خطوات على الطريق، لكنّه يبدو ثقيل الخطى ويتحرّك بما هو أبطا من الموجة . في هذه اللحظات، هو مطالب بقرارات كبيرة بحجم إلغاء حالة الطوارئ والإفراج عن كل السجناء السياسيين غير المدانين بالتآمر والخيانة . ننتظر من النظام في دمشق أن يجري تعديلات دستورية تؤسس لنظام تعدّدي، فليس من المنطق أن يجعل حزب من نفسه ldquo;قائداً للدولة والمجتمعrdquo; في نص دستوري .

بعيداً عن منطق التصيّد والتشفي، وليس انطلاقاً من انحياز أعمى، نرى أن المنسوب الراهن للاحتجاجات من حيث قلة اتساعها ومحدوديتها مكانياً وزمانياً، يجعل النظام أمام فرصة لم تفت بعد، ونرجو أن يحسن التقاط اللحظة التي تقع في صلب أساسيات العمل السياسي الناجح، وبإمكانه الاستناد لرصيده لدى أغلبية الشعب العربي المؤيدة لموقفه من المقاومة، وأن يبدأ الآن، لأنه إذا خسر سباق الزمن، نخشى أن يأتي وقت يكون قد فات الأوان .