يوسف البنخليل
الحديث حول علاقة أبناء الطائفة السنية في البحرين مع الولايات المتحدة الأمريكية حديث معقد وطويل للغاية، ولكن أعتقد أن الوقت قد حان لمناقشته بمزيد من التفاصيل، حتى نفهم لماذا تخلت واشنطن عن الطائفة السنية والبحرين لصالح لتيار ولاية الفقيه؟ كما إن هذا الحديث سيساعد بشكل كبير على توضيح فهم أكبر حول كيف تنظر أمريكا إلى سنة البحرين؟ هل هي نظرة إيجابية أم سلبية؟ أم إنه ينبغي إنهاء وجودهم؟ مثل هذه الأسئلة الكبيرة لا يمكن الإجابة عنها ببساطة وسهولة دون معرفة طبيعة العلاقات بين سنة البحرين والولايات المتحدة. فمتى بدأ التعارف بين الطرفين؟ قبل العام 1979 لم تكن مسألة التركيبة الطائفية ذات معنى كبير في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه دول الخليج، ومنها البحرين طبعاً، ولكن بعد هذا العام واندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية تغيّر الوضع، وأصبحت واشنطن تتابع تطورات الموقف، وتعيد بناء سياساتها، لأن المعطيات تغيّرت فأصبح في الخليج ثلاث قوى سياسية رئيسة، وهي إيران الشيعية، والعراق البعثية، والسعودية السنية. في الوقت نفسه فإن هناك صراعاً بين هذه الأطراف الثلاثة، والصراع الأكبر كان بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة بحكم ظروف الحرب الباردة آنذاك. الأخطر حينها أن طهران أعلنت تبنيها مبدأ تصدير الثورة للخارج، وبالمقابل قامت موسكو بغزو أفغانستان في 25 ديسمبر .1979 واشنطن كانت تخشى من هذه التطورات، فأدركت حتماً أن ظهور انتقال الثورة الإيرانية إلى دول الخليج الأخرى من شأنه أن يشكل تهديداً كبيراً لعمليات تصدير النفط العالمية. خصوصاً وأن جميع دول الخليج بها أقليات شيعية، فكان الخيار الأنسب هو دعم فكرة الجهاد الإسلامي، وهي الفكرة التي يؤمن بها أهل السنة والجماعة، ولذلك قامت واشنطن بدعم وتمويل مشاركة السُنة في العمليات العسكرية ضد السوفييت في كابول حتى قررت موسكو وقف الغزو والانسحاب عام .1988 بحرينياً شارك العشرات في الجهاد الإسلامي داخل أفغانستان، وراح ضحيته مجموعة من الشهداء. لم تكن واشنطن بمثل هذه الخطوة تدرك عواقب دعم الجهاد إلا بعد انتهاء الحرب السوفييتية ـ الأفغانية. فبعد هذه الحرب، وفي العام 1988 أعلن أسامة بن لادن تشكيل تنظيم القاعدة وكانت خطواته المقبلة غير معروفة آنذاك. على مسار آخر، كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية دائرة، وهي بشكل أو بآخر كان ينظر إليها بأنها حرب بين (البعث وولاية الفقيه)، وإن كان البعض يراها حرباً سنية ـ شيعية. وكانت هناك حالة ترقب من قبل واشنطن لتعرف كيف ستؤول إليه الأمور، بعد أن استيقظت النعرات الطائفية، ودخل البعد الطائفي في الصراعات السياسية في الخليج والمناطق الشرقية المجاورة. في أغسطس 1990 تطورت الأوضاع بالغزو العراقي للكويت، وهنا انتهت مرحلة التعارف الأساسية بين واشنطن وسنة البحرين التي بدأت في منتصف الثمانينات، لأن التيارات السياسية الإسلامية السنية صارت أكثر وضوحاً، وكانت واشنطن تتابعها بشكل خاص، وسبب ذلك أن عدداً من الجماعات الإسلامية السنية أعلنت حرمة الاستعانة بالمشركين (الأمريكان) لتحرير الكويت، والدفاع عن دول مجلس التعاون الخليجي من الخطر العراقي آنذاك. خلاصة مرحلة التعارف التي تمت بين واشنطن وسنة البحرين، أنها قامت على شكل من أشكال الاستغلال الأحادي الجانب من واشنطن للطائفة السنية للدفاع عن مخاطر تقدم نفوذ موسكو إلى المنطقة، وانتهت إلى سيادة الحذر والخوف المتبادل بين الطرفين بسبب تدخل القوات الأمريكية في طرد القوات العراقية الغازية من الأراضي الكويتية. وللحديث بقية..
التعليقات