شملان يوسف العيسى

كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن الكونفدرالية بين دول الخليج، حيث طالب بعض نواب مجلس الأمة والكتاب في الكويت بالكونفدرالية من منطلق تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، لاسيما بعد أحداث البحرين المؤسفة.

معظم المطالبين بالكونفدرالية لم يوضحوا ما المقصود منها، وهل يمكن تحقيقها عملياً في الخليج؟ وما هي إيجابيات هذه الفكرة وسلبياتها؟


الكونفدرالية، كما يعرفها علماء السياسة، تتكون من مجموعة من الدول المستقلة، ذات السيادة داخلياً وخارجياً، والتي تريد الاتفاق فيما بينها على إقامة هيئة مشتركة، بمقتضى معاهدة دولية، تُمنح سلطات سياسية خاصة تستطيع من خلالها الإشراف على سياسات الدول الأعضاء. وغالباً ما يكون هدف الاتحاد الكونفدرالي تحقيق بعض الأهداف المشتركة والمتفق عليها في المعاهدة. وتستمر الدول داخل الاتحاد الكونفدرالي محتفظة بشخصيتها الدولية وسيادتها الوطنية. ويقوم الاتحاد الكونفدرالي بتنظيم العلاقات بين دوله وفقا لمعاهدة إنشائه، ويمكن لأي دولة في الكونفدرالية أن تخرج منها في أي وقت تشاء.

ومن مميزات الاتحاد الكونفدرالي أنه لا يتمتع بالشخصية الدولية، كما لا توجد له أية سلطة مباشرة على رعايا الدول الأعضاء، ولا يتمتع بسلطة كافية لتنفيذ القرارات، بل يصدر توجيهاته للدول الأعضاء لتنفيذها كما تشاء، والقرارات التي يصدرها تخضع للإجماع بشكل عام.

منظومة مجلس التعاون الخليجي قريبة جداً من نظام الكونفدرالية، حيث احتفظت كل دولة بنظامها السياسي وسيادتها الوطنية، لكن هناك تنسيقاً وتعاوناً بينها حول العديد من القضايا. ويأمل قادة المجلس الوصول إلى توحيد السياسات في عدة مجالات، اقتصادية وسياسية وتعليمية وأمنية... وغيرها.

لقد حققت دول المجلس إنجازات كبيرة في المجال الاقتصادي، لكن التنسيق الأكبر بينها إنما تركز على القضايا الأمنية، حيث تحرص الدول الأعضاء على التنسيق الأمني في محاربة الإرهاب وكل ما يهدد دول المجلس أمنياً. وقد جرت محاولات عديدة لتشكيل جيش خليجي مشترك، لكن الفكرة تم طيها بسبب الخلافات حول من يقود، ومن يمول، ومن أي بلد تكون أغلبية الجيش.

ومضى أكثر من ثلاثين عاماً على تأسيس مجلس التعاون، دون أن يستطيع تحقيق واحد من الطموحات المهمة لشعوبه، وهو التنقل بحرية من بلد خليجي إلى آخر باستخدام البطاقة الشخصية. وقد تحقق هذا الهدف أخيراً بعد موافقة جميع الدول لأعضاء على البطاقة الجديدة. لكننا كمنظومة لم نستطع توحيد العملة الخليجية الموحدة واختلفنا على هذا الموضوع.

أما الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة فاستطاع أن يحقق كل ذلك، وهو الذي تنتمي دوله إلى عدة قوميات وأعراق ولغات ومذاهب، وتاريخها مليء بالحروب والصراعات فيما بينها.. لكن مصالحها ومصالح شعوبها جعلتها تذلل كل العقبات.

الكلام عن الكونفدرالية الخليجية كلام جميل، لكن أوضاعنا الحالية لا تؤهلنا لأكثر من الكلام عن التعاون والأخوة... فكل دولة تريد الاحتفاظ بسيادتها ولا تريد التنازل عنها لمصلحة المجموعة ككل... ومن يريد تشكيل كونفدرالية عليه أن يحل المشاكل الثنائية المختلف عليها من خلال أطر المجلس نفسه، وليس عبر أطر دولية. نتمنى لدول الخليج العربية توحيد سياساتها والاهتمام بمصالح شعوبها، قبل الحديث عن الكونفدرالية كحل للأزمات!