خيرالله خيرالله


أظهرت الجلسات التي احتضنها laquo;الملتقى العربي الإعلامي الثامنraquo; الذي استضافته الكويت قبل أيام أن هناك محاولة جدية لفهم العلاقة بين الثورة في حقل الاتصالات التي يشهدها العالم من جهة والثورات العربية التي لم يسدل الستار بعد على معظمها من جهة أخرى. فما يختصر هذه العناوين عنوان واحد هو laquo;الإعلام والمتغيرات العربيةraquo; أو عنوان آخر هو laquo;ثورة الإعلام... وإعلام الثوراتraquo;.
امتلك الزميل ماضي الخميس الأمين العام للملتقى جرأة خوض غمار تجربة جديدة- قديمة تتمثل في عقد الملتقى في هذه الأيام بالذات في وقت ليس معروفاً بعد ما سيؤول إليه الوضع في ليبيا أو في سورية أو حتى في اليمن الذي يمتلك تركيبة خاصة به. كذلك، ليس معروفاً بعد ما مستقبل مصر أو تونس رغم إطاحة الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك بعد انتفاضتين شعبيتين فاجأتا العالم والعرب وحتى التونسيين والمصريين.
بدا واضحاً أن أكثر ما كان ينقص الملتقى الذي استمر يومين لم تكن العناوين الجذابة للجلسات. كانت المشكلة في كثرة عدد المتحدثين فيها من الذين لا يمتلكون مستوى معيناً، أو لنقل صراحة حداً أدنى من الخبرة في الإعلام والثورة التكنولوجية والثورات العربية. كانت المشكلة الاساسية التي واجهها الملتقى تكمن في كمية الجهل لدى عدد لا بأس به من المشاركين، خصوصاً لدى اولئك الذين راحوا يهاجمون الإعلام الغربي ومواقفه من الثورات العربية غير مدركين أن المشكلة ذات طابع عربي أولاً وأخيراً وأن المفروض بالعرب أن يتعاطوا مع الواقع وليس مع مؤامرات مفترضة. من حسن الحظ انه كانت بين المشاركين في الجلسات شخصيات عربية لها وزنها مثل السيد محمد بن عيسى وزير الخارجية المغربي السابق أو الوزير اللبناني طارق متري وآخرين بينهم زملاء صحافيون واكاديميون ساهم أحدهم وهو من أصل تونسي ومقيم في تركيا في شرح خصائص التجربة التركية وأهميتها وكيف أنه يصعب استنساخها.
هؤلاء يدركون أهمية أن يصلح العرب أحوالهم وما في أنفسهم أوّلاً قبل المباشرة في اعطاء دروس إلى الآخرين... أو الشكوى من اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة أو المسلسلات الاميركية والغربية التي تسيء إلى العرب والمسلمين! ما دخل حال الاهتراء التي تعاني منها معظم الأنظمة والمجتمعات العربية باللوبي الإسرائيلي أو المسلسلات الأميركية والغربية، هل المسلسلات هي التي تحول دون أن تكون الأنظمة العربية متصالحة مع شعوبها أوّلاً؟
رغم السلبيات الكثيرة التي واكبت معظم الجلسات المنعقدة في إطار الملتقى، لا بدّ من الاعتراف بنجاح ماضي الخميس في تحويل الحدث إلى مساحة تلاق بين مختلف المدارس الإعلامية، إن لم يكن اتفاقاً... فاختلافاً. فالقضايا التي أثارها المؤتمر، خارج الجلسات خصوصاً، تقاطع فيها الإعلام مع حركة التغيير العربية التي انطلقت من تونس. من سبق من، الأحداث أم تغطيتها، اين حضر الإعلام وأين غاب، أين واكب وأين تخلّف؟ والأهم من ذلك كله، كيف استطاع الإعلام العربي تفادي الوقوع في فخ الازدواجية فأشعل الشاشات في مصر وفعل الشيء نفسه في سورية بغض النظر عما إذا كان الإعلام الغربي مقصراً في شأن كل ما له علاقة بالتعاطي مع الحدث السوري الذي لا يزال في بداياته...
ثمة نقطة أخرى مهمة لا بدّ من تسجيلها. اسم هذه النقطة أرض الكويت. ليس غريباً أن تكون هذه الأرض ساحة التلاقي بين الإعلاميين العرب خصوصاً مع وصول شرارات التوتر الإقليمي إليها. فالكويت لعبت تاريخياً دور منسق المصالحات في منطقة شديدة الاضطراب. آخر نجاح للكويت كان الوساطة بين دولة الإمارات وسلطنة عُمان. كانت هناك أزمة مفتعلة بين دولتين عربيتين شقيقتين. استطاعت الكويت بفضل الأمير الشيخ صباح الأحمد إزالة سوء تفاهم كان مصطنعاً إلى حدّ كبير. لكن الجغرافيا لم ترحم الكويت هذه المرة إذ كان لا بدّ من أن تكشف عبر وسائل الإعلام عن نتيجة التحقيقات القضائية في شبكة التجسس الإيرانية ووجدت نفسها مضطرة إلى القول لإيران علناً أن كفى تعني كفى. قالت كلمتها مع جرعة عتاب كبيرة عبّر عنها وزير الخارجية الشيخ محمّد الصباح الذي قال ان الكويت كانت تتوقع من إيران موقفاً شاكراً لا موقفاً تجسسياً!
في كل الأحوال، كان laquo;الملتقى الإعلامي العربي الثامنraquo; مناسبة للتساؤل هل من أمل في أن ينتمي العرب إلى العالم الحضاري المتطور فلا يعودون في موقع المتلقي الذي لا حول له ولا قوة. إنه المتلقي الذي لا يجد أمامه سوى لوم الآخرين على عجزه عن فهم الأسباب الحقيقية للثورات التي شهدتها وتشهدها هذه الدولة أو تلك!