إياد الدليمي

انتهى أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، كما انتهى قبله العديد من قادة ورموز هذا التنظيم، ربما الفارق الوحيد أن بن لادن بقي الحلقة الأكثر صعوبة على الاستهداف طيلة سنوات عشر من عمر الحرب الأميركية على ما يسمى بالإرهاب، وأيضا لأنه الشخص الأكثر رمزية لدى أتباع هذا التنظيم حول العالم، وبالتالي فإن الاحتفاء الأميركي بمقتله جاء متناسبا مع ما كان يشكله من خطر على الولايات المتحدة، حسب زعمها.
مقتل زعيم القاعدة يأتي في توقيت دقيق، فقد جاء بعد أن بدأت الثورات العربية تقطف ثمار تضحياتها، وبعد أن سحب الشارع العربي البساط من تحت أقدام التنظيم الأكثر إثارة للجدل في العالم، هذا التنظيم الذي رفع السلاح في وجه كل من يخالفه لسنوات طويلة، دون أن يستطيع أن يحقق جزءا بسيطا مما حققته ثورات الشعوب المقهورة، حتى كأن لسان حال الشعوب العربية كان يقول: بصدورنا العارية لا بسلاح القاعدة أسقطنا وسنسقط الأنظمة.
الاحتفال الأميركي بالصيد الثمين جاء مبالغا فيه إلى حد كبير، فمخطئ من يعتقد أن تنظيم القاعدة ممكن أن ينتهي بنهاية رمزه وملهمه وقائده، بل إن وقائع هذا التنظيم وعبر شبكاته المنتشرة حول العالم تشي بأن من سيخلف بن لادن لقيادة التنظيم ربما سيكون أكثر تشددا في استهداف أعدائه.
في العراق، وتحديدا عقب مقتل زعيم تنظيم القاعدة هناك، أبو مصعب الزرقاوي عام 2006، اعتقد البعض أن نهاية هذا الرجل الرمز على صعيد التنظيم في العراق، قد تؤدي إلى تضاؤل عمليات القاعدة، غير أن واقع الحال كان مغايرا لذلك تماما، فكان أن خلفه أبوعمر البغدادي، والذي تجرأ على حدود طالما كان الزرقاوي يتحاشاها، حتى ترحَّم أعداء الزرقاوي عليه.
تنظيم القاعدة بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن، يرجح أن يعطي زمام القيادة للرجل الثاني في التنظيم، أيمن الظواهري، الرجل الذي تؤكد كل التقارير والمصادر المقربة من التنظيم أنه أكثر تشددا من بن لادن نفسه، بل إن هناك مصادر مقربة أكدت وفي أكثر من مناسبة على أن الظواهري اختلف مع بن لادن حول بعض العمليات التي يرى فيها أنها ضرورة بينما لم يوافقه بن لادن.
القاعدة لم تعد تنظيما يختبئ في جبال باكستان أو أحراش أفغانستان، فلقد تحول إلى فكر انتشر في العديد من دول العالم، وهو تنظيم لم يأتِ من فراغ، فبقدر الظلم الذي يسود هذا العالم، وعدم القدرة على تحقيق فكرة العدل، جاء التنظيم ليلبي تطلعات شريحة كبيرة من الشباب العربي في وقت غابت فيه أية أفكار يمكن أن تشد الشباب العربي والمسلم إليها.
لذلك فإن الحديث عن نهاية التنظيم ما زال وقته مبكرا، ولن تكون هذه النهاية بنهاية بن لادن ولا حتى الظواهري، وإنما سينتهي التنظيم ويتلاشى بعد أن تؤمن الشعوب العربية التي تقود ثوراتها بصدور عارية اليوم ضد أنظمتها القمعية، بأنها قادرة على تحقيق المستحيل، وأن لديها القدرة على صنع تغييرها المنشود وتحقيق دول الحكم الرشيد، وهو ما بدأ يتحقق سواء في مصر أو تونس أو حتى في سوريا وليبيا واليمن.
نعم قد تنتقم القاعدة، قد تشن عمليات نوعية كبيرة، وهو أمر متوقع، ولكن في النهاية، يبقى أمر وجودها مرتبطا بما سيقوله الشارع العربي في قابل الأيام.
لن تنتهي القاعدة بالحرب الأميركية عليها، فلقد جربت واشنطن طيلة سنوات طويلة تلك الحرب، ربما نجحت في إبطال مفعول هجمة هنا أو أخرى هناك ولكنها لم تنجح في إعلان شهادة وفاة التنظيم.
الشباب العربي الذي وجد نفسه في فترة ما محاصراً بين ظلم أميركا وحكامه، لجأ إلى القاعدة، كان يجد فيها متنفسا للظلم الذي يمارس عليه من قبل الجميع، ولكنه اليوم صار أكثر نضجا، وبات يعلم أنه يمكن أن يحقق العدل النسبي إذا آمن بقدراته.
على الولايات المتحدة الأميركية أن تجدد أدواتها في حرب القاعدة، فمن غير المقبول أن يبقى السلاح وحده سبيلا، وإذا كانت الثورات العربية قد نجحت في سحب البساط من تحت أقدام القاعدة، فإن الولايات المتحدة الأميركية أيضاً بإمكانها كتابة الفصل الأخير من عمر هذا التنظيم إذا ما بادرت بسحب قواتها من أفغانستان والعراق ووقفت موقفا إيجابيا من إعلان الدولة الفلسطينية بحدود 1967، وتركت لغة الانحياز لإسرائيل، عند ذاك فقط سيكون بإمكان واشنطن ونيويورك أن تحتفلا.