السيد زهرة

في الاسبوع قبل الماضي، تشرفت بأن حللت ضيفا على برنامج laquo;وطني حبيبيraquo; في حلقة ادار الحوار فيها زميلنا المذيع اللامع علي حسين.
كان موضوع الحوار، الثورات التي اندلعت في العالم العربي، وابعاد ما جرى في البحرين في هذا الاطار.
الحوار تطرق الى عدد من القضايا والموضوعات المهمة. وقد وجدت ان من المهم ان ألخص هنا الافكار الجوهرية التي تناولتها الاسئلة، ورأيي الذي ابديته فيها.
بصفة خاصة، اود ان ألخص هنا الافكار التي ابديتها، ردا على الاسئلة التالية التي طرحها الاستاذ على حسين.
ما هي الثورة الشعبية؟
كيف نقرأ الواقع العربي اليوم، والثورات التي اندلعت؟
هل ما حدث في البحرين كان ثورة شعبية؟
ما هي التأثيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لما جرى في البحرين؟
كيف يمكن الاستفادة مما حدث كي تخرج البحرين أقوى؟
} } }
عن الثورة الشعبية
ماهي الثورة الشعبية بشكل عام؟
وما هي مبررات حدوثها؟
عندما نقول كلمة laquo;ثورةraquo; بشكل عام، فانها تعني حدوث تغيير جذري، وبحيث ان الوضع بعد الثورة يختلف جذريا عما قبلها.
ينطبق هذا على كل المجالات. عندما نقول مثلا laquo;ثورة تكنولوجيةraquo; معنى هذا ان تطورا تكنولوجيا كبيرا حدث بحيث غير مسار التكنولوجيا. وعندما نقول مثلا ان سيد درويش احدث ثورة في الموسيقى العربية، فمعنى هذا ان ما قدمه سيد درويش احدث تغييرا جذريا في مسار الموسيقى العربية.. وهكذا.
الشيء نفسه ينطبق على الثورة الاجتماعية والسياسية التي تحدث في أي دولة. الثورة هنا تعنى ان تغييرا جذريا حدث في طبيعة النظام السياسي، وطبيعة المؤسسات، والسياسات العامة المتبعة، وتوجهات النظام.
والثورة لا تحدث بالضرورة عن طريق ثورة شعبية.
المثال الابرز على ذلك هو ثورة 23 يوليو 52 في مصر. الثورة وقعت عن طريق حركة عسكرية.. انقلاب عسكري قام به الضباط الاحرار. ولأربع او خمس سنوات في مصر بعد 23 يوليو، لم يكن يطلق على ما حدث ثورة حتى في مصر نفسها. كان يطلق عليها حركة الجيش، او الحركة المباركة، وما شابه ذلك. اطلق على 23 يوليو ثورة بعد ان حدث تغيير جذري للنظام وللسياسات الداخلية والخارجية.
هذا بشكل عام.
لكن عندما نتحدث عن ثورة شعبية، فهذه لها شروط وابعاد يجب ان تتوافر كي تعتبر هكذا.
وعندما نقول: شروط وابعاد، فهذا بناء على تجارب الثورات في العالم، وايضا بناء على ما يراه علماء السياسية والمختصون في هذا الشأن.
وعلى الاقل، يجب ان تتوافر ثلاثة جوانب كي تكون الثورة ثورة شعبية:
اولا: ان تشارك في الثورة كل فئات الشعب، اي لا تكون حركة لفئة واحدة او طائفة واحدة مثلا.
مثال هذا ثورة 25 يناير المصرية الاخيرة. في بعض ايام الثورة، كان يوجد في شوارع القاهرة والمحافظات المصرية اكثر من 8 ملايين مصري يتظاهرون ويشاركون في الثورة. اي ان الثورة كانت ممثلة لكل الشعب المصري.. شارك فيها مثقفون وعمال وفنانون.. شباب ورجال وشيوخ.. ونساء.. مسلمون واقباط.. وهكذا.
ثانيا: ان اهداف الثورة والمطالب التي ترفعها يجب ان تكون معبرة عن اجماع وطني عام.
بمعنى ان تكون هذه الاهداف والمطالب معبرة عن الغالبية الساحقة من ابناء الشعب بقواه وانتماءاته المختلفة.
ثالثا: الثورة الشعبية، وخصوصا في المجتمعات المتعددة الاديان والطوائف، واغلب الدول العربية ودول العالم هكذا، لا يمكن ان تكون دينية ولا يمكن ان تكون طائفية. هذا لأنها لو كانت كذلك، فسوف تكون في هذه الحالة حركة تعبر عن اتباع دين واحد او طائفة واحدة، ولا تعبر عن كل الشعب.
وكل الثورات الكبرى في العالم هكذا.
وحتى الثورة الايرانية ، لم تكن ثورة دينية. حين اندلعت وتطورت، كان الذي فجرها وقادها هي القوى التقدمية والاحزاب الشيوعية في ايران. الذي حدث ان رجال الدين استولوا على الثورة في مرحلة متأخرة من مراحلها. وحتى عندما اصبح رجال الدين في صدارة الصورة، لم يكن مطروحا اقامة دولة دينية. حدث هذا بعد ان استولى رجال الدين بزعامة الخميني بالفعل على السلطة.
هذا عن الثورة الشعبية بشكل عام.
اما عن مبررات الثورة، فلا يمكن التعميم هنا. كل بلد له ظروفه واوضاعه الخاصة، وبالتالي مبررات الثورة تختلف من بلد الى آخر. مبررات اندلاع الثورة الفرنسية مثلا، غير مبررات اندلاع الثورة الشيوعية في روسيا، او الثورة الصينية، وغير مبررات ثورة 25 يناير المصرية الاخيرة، وهكذا.
لكن بشكل عام، هناك اوضاع عامة لو توافرت يمكن ان تمثل مبررات لاندلاع ثورة. اهم هذه الاوضاع امران:
الاول: ان تصل الاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع الى درجة من السوء والتردي بحيث لا يمكن ان تستمر.
بمعنى ان تصل الاغلبية الساحقة من الشعب الى قناعة بأن هذه الاوضاع لا يمكن ان تستمر، ولا بد ان تتغير جذريا.
والثاني: ان تصل الاغلبية الساحقة من الشعب الى لحظة تفقد فيها الامل في امكانية حدوث التغيير المنشود في ظل النظام القائم.
حين يتوافر الامران في أي مجتمع ودولة، تكون الظروف مهيأة لاندلاع ثورة.
} } }
الثورات العربية اليوم
كيف نقرأ الواقع العربي حاليا؟.. لماذا اندلعت هذه الثورات؟.. وهل كانت متوقعة؟
هل كانت الثورات التي نشهدها في العالم العربي متوقعة؟.. بالطبع، لا. قبل اشهر قليلة، لم يكن اغلب الناس في العالم العربي، يتوقعون ان تندلع هذه الثورات. ولم يكن احد يتوقع انه حتى لو اندلعت ثورة، فانها سوف تنجح فعلا، وتطيح بنظم مثل نظام بن علي في تونس، او مبارك في مصر.
بالعكس، قبل اشهر قليلة، كانت هناك حالة من الاحباط العام يكاد يصل الى حد اليأس من امكانية حدوث تغيير جذري في اوضاع الدول العربية.
اما عن اسباب اندلاع هذه الثورات والاوضاع التي قادت اليها، فكما قلت لا يجوز التعميم هنا. الاوضاع في تونس مثلا، غير الاوضاع في مصر، او ليبيا او سوريا، وهكذا.
لكن الذي حدث انه في العقود الماضية، تراكمت في العالم العربي بشكل عام، وفي اغلب الدول العربية، مجموعة من العوامل، ومن الاوضاع السيئة جدا، مثلت وقودا لهذه لهذه الثورات.
.. ظلم اجتماعي قاس جديدا، وفوارق اجتماعية رهيبة، كان ضحيتها اغلبية الشعب من الطبقات المتوسطة والفقيرة.
.. فساد اقتصادي رهيب، واستنزاف وسرقة لموارد الدولة والمال العام.
.. قهر سياسي، بمعنى غياب الحريات الاساسية التي من المفترض ان تتوافر وفق أي ديمقراطية بمعناها الحقيقي.
.. ويضاف الى هذا، احساس عام بالمهانة الوطنية. بمعنى ان المواطن العربي، يرى بلاده العربية الغنية بمواردها وبقدراتها البشرية، مهانة وعاجزة، ليس لها مكانة يعتد بها في العالم، وتجرؤ عليها القوى الاجنبية والاقليمية.
هذه الاوضاع في مجملها بشكل عام هي التي قادت الى هذه الثورات.
يضاف الى هذا عوامل مهمة اخرى في مقدمتها، هذا الجيل العربي من الشباب الذي اكتشفنا انه جيل واع ووطني، ويمتلك ارادة التغيير.
وبالاضافة الى هذا، كان نجاح الثورة التونسية، ثم الثورة المصرية خصوصا نظرا لمكانة مصر الكبيرة، عاملا اساسيا اعطى للمواطن العربي في الدول الاخرى الامل في امكانية حدوث التغيير الجذري الذي ينشده.
} } }
التمرد الطائفي
كيف اذن، نوصف ما حدث في البحرين؟.. هل كان ثورة شعبية، ام حركة شعبية؟.. وما هي مبررات ما حدث؟
الذي حدث في البحرين، لم يكن ثورة شعبية، ولم يكن حركة شعبية، ولم يكن انتفاضة شعبية.
الذي حدث في البحرين هو تمرد طائفي على الدولة والنظام والمجتمع.
هذا هو توصيفه الدقيق.
وهناك اسباب وعوامل كثيرة تؤكد هذا.
قبل كل شيء، اصلا لم يكن يوجد في البحرين أي مبرر شعبي لحدوث ثورة او انتفاضة شعبية ، كما كان الحال في تونس او مصر مثلا.
فعلى الصعيد السياسي، نعلم جميعا الحريات المتاحة في البحرين في ظل المشروع الاصلاحي الذي اطلقه جلالة الملك. وهي حريات غير مسبوقة ولا مثيل لها في دول المنطقة.
وعلى الصعيد الاجتماعي والاحوال المعيشية، يعتبر مستوى المعيشة للمواطن في البحرين من اعلى المستويات عربيا، بشهادة كل التقارير الدولية.
خذ مثلا، قضية البطالة التي لا تتجاوز نسبتها اقل من 3,5% مقارنة بنسبة تكاد تصل الى 40% في تونس ومصر.
بالطبع ليس معنى ان نقول انه ليس هناك مبرر لثورة او انتفاضة شعبية في البحرين، انه ليس هناك مطالب اصلاحية مشروعة. لكن هذه المطالب والتعبير المشروع عنها لا علاقة له بحديث عن ثورة.
اريد ان اقول ان مجرد ان يتم التخطيط لهذه الاحتجاجات، ومن دون أي مبرر وطني وشعبي عام، هو في حد ذاته ابتداء يؤكد وجود شبهة طائفية.
الأمر الآخر اننا جميعا تابعنا ما كان يجري في الدوار، وما كان يرفع فيه من شعارات ومن مطالب في الخطب والاحاديث والبيانات، وايضا ما كان يجري في المسيرات التي نظمت.
وكلنا نعرف ان كل ما كان مطروحا هو شعارات ومطالب طائفية. بمعنى انها جميعا تعبر عن رأي مجموعة طائفية وحدها.
ثم اننا شهدنا في فترة الاحداث مجموعة من التطورات اتت كلها لتؤكد الطابع الطائفي، وتؤكد ان ما جرى ليس الا تمردا طائفيا.
كان التطور الاول، هو خروج مسيرات الفاتح الحاشدة التي شارك فيها مئات الآلاف.
خروج هذه المسيرات كان معناه ان قطاعا كبيرا جدا من الشعب خرج ليقول، اننا نرفض هذه الشعارات والمطالب المتطرفة المطروحة، وليقول ان لنا مطالب ومواقف وآراء اخرى.
وانطلقت في ذلك الوقت دعوات للتوافق الوطني، والتوصل الى مطالب اصلاحية موحدة يجمع عليها الكل فعلا.
ولو لم يكن ما جرى هو طائفي بحت، لكانت قد تمت الاستجابة لهذه الدعوات.
لكن الذي حدث كما نعلم انه تم رفضها تماما.
والتطور الثاني، الموقف من قضية الحوار الوطني الذي طرحه سمو ولي العهد من دون شروط ولا سقف.
تم رفض الحوار بشكل غريب جدا، وافشاله عن عمد تام. على الرغم من ان المنطق كان يقول انك لو كنت تنشد الاصلاح فعلا لقبلت فورا الجلوس على مائدة الحوار.
لماذا رفضوا الحوار؟.. لأنهم كانت لديهم اجندة طائفية محددة يريدون تحقيقها.
والتطور الثالث، يتعلق بموضوع الاستقالات. فوجئنا في يوم واحد بوزراء واعضاء مجلس شورى ومسئولين في الدولة يقدمون استقالاتهم.
بالطبع، مفهوم انه من حق أي مسئول ان يستقيل من منصبه في أي وقت.
لكن السؤال هنا، لماذا استقال هؤلاء معا في وقت واحد؟
هل اكتشفوا جميعا فجأة مثلا ان هذا ما تقتضيه أي مصلحة وطنية؟
بالطبع لا.
التفسير الوحيد هنا ان هؤلاء صدرت لهم اوامر من مرجعية طائفية ما بأن يستقيلوا، فنفذوا هذا الأمر.
ما معنى هذا؟
معناه ان هؤلاء في اللحظة التي كان عليهم ان يختاروا فيها بين المصلحة الوطنية والمصلحة الطائفية، اختاروا المصلحة الطائفية.. معناه انه في اللحظة التي كان عليهم ان يختاروا فيها بين انقاذ الوطن وبين الدفاع عن اجندة طائفية ومشروع طائفي، اختاروا الاجندة الطائفية والمشروع الطائفي.
وهذا دليل آخر على ان ما جرى لم يكن الا تمرد طائفي.
} } }
العنف والترهيب
ومع كل هذا. مع كل ما شهدته البحرين، هناك قضية لابد من توضيحها.
ليس عيبا، في البحرين او أي بلد، ان تطرح أي فئة او طائفة مطالب خاصة بها.
الاقباط في مصر مثلا يطرحون مطالب خاصة بهم، كبناء الكنائس.. الخ.
هذا مقبول بشكل عام، ودستور البحرين وقوانينها ومشروعها الاصلاحي يسمح بطرح مثل هذه المطالب.
لكن الذي ليس مقبولا، لا في البحرين ولا في أي بلد امران:
الاول: ان كان من حقك ان تطرح مطالب طائفية خاصة بك، فليس من حقك ان تزعم ان هذه مطالب كل الشعب. وليس من حقك ان تقول انني امثل او اعبر عن كل الشعب. لا، في هذه الحالة، انت تعبر عن نفسك فقط، ومطالبك فقط.
الأمر الثاني، والاخطر، انه ليس من حقك ان تسعى لفرض مطالبك الطائفية على الدولة، والنظام والمجتمع، بالعنف، وبالقوة، وبالإكراه. والترهيب.
وهذا ما شهدناه يحدث في البحرين.
لنتأمل فقط ما جرى لمستشفى السلمانية. مستشفى مهمته انسانية بحتة، يتم احتلاله وتحويله الى مركز للاحتجاجات، ويذهب المعارضون هناك لالقاء الخطب. هذا غير الممارسات الاخرى المعروفة.
هذا شيء لا نظن انه حدث شبيه له في العالم.
لنقارن هذا الذي حدث في السلمانية بما حدث اثناء الثورة المصرية.
في احد ايام الثورة، انتشر خبر يقول ان بلطجية النظام يعتزمون الاعتداء على مستشفى للأطفال في القاهرة. في اقل من نصف ساعة كان آلاف من الشباب الثوار يحيطون بالمستشفى كدرع بشري لحمايته من أي اعتداء. هذا هو الفارق بين ثورة سلمية فعلا تريد حماية الوطن، وبين تمرد طائفي جرى في البحرين.
اما عن مبررات ما جرى في البحرين، فكما قلت ليس هناك بالطبع أي مبرر موضوعي.
الذي حدث باختصار شديد ان هناك مخططا ايرانيا استهدف البحرين وابعاده اصبحت معروفة.
لكن ما كان لهذا المخطط ان يجد له صدى في البحرين لولا ان قوى طائفية في البحرين لديها مشروع طائفي، وانخرطت في محاولة تنفيذ هذا المخطط ضد النظام والدولة والمجتمع.
} } }
تأثيرات مدمرة
ما هي التأثيرات التي تركها ما شهدته البحرين، اجتماعيا، وسياسيا، واقتصاديا؟
على الصعيد الاجتماعي: من اخطر التأثيرات وأكبرها، الشرخ الاجتماعي الذي شهده المجتمع.. هذا الانقسام الطائفي الحاد، وعدم الثقة التي اصبحت موجودة بين طوائف المجتمع.
وهذه قضية خطيرة، الكل يجب ان يفكر في كيفية معالجتها، وكيفية التعامل مع هذا الوضع.
اما على الصعيد السياسي، فقد اكتشفنا ان البحرين منكوبة بقواها وجمعياتها السايسية.
الذي حدث ان جمعيات وقوى طائفية، لها اجندتها الطائفية المعروفة، قادت هذا التمرد الطائفي.
في الوقت نفسه، الجمعيات التي تطلق على نفسها تقدمية وقومية، والتي كان مفترضا ان تحمى المجتمع من هذا التمرد الطائفي، لعبت دور laquo;الكومبارسraquo; للقوى والجمعيات الطائفية.
اما على الصعيد الاقتصادي، فهذا من اكبر الجرائم التي ارتكبت في حق البحرين في الفترة الماضية.. نعني ذلك الدمار الذي حل بالاقتصاد الوطني، وبمنجزات البحرين الاقتصادية.
البحرين بحاجة الى سنوات طويلة كي تتعافى من هذا الدمار الاقتصادي.
الامر المرعب هنا، اننا اكتشفنا بعد نهاية الاحداث ان، شركات الدولة ومؤسساتها الاقتصادية الكبرى ووزارات بأكملها، كانت طوال فترة التمرد محتجزة رهينة لحساب هذا التمرد، ومسخرة بالكامل لخدمة هذا المشروع الطائفي.
ولم يكن الحاق الدمار بالاقتصاد الوطني عرضا، وانما كان مخططا له وعن عمد.
ولهذا، كل المسئولين عن هذه الجريمة يجب ان يحاسبوا.
} } }
مهام المستقبل
كيف يمكن الاستفادة مما حدث كي تخرج البحرين اقوى؟
بشكل عام الازمات في حياة أي مجتمع او دولة من الممكن بالفعل ان تكون بداية لمرحلة جديدة تخرج منها اكثر قوة، لكن بشرط الاستفادة الصحيحة من دروس الازمة، والتصرف على اساس ذلك.
وباختصار شديد، يمكن القول ان هناك ثلاث مهام كبرى مطروحة اليوم على ضوء ما شهدته البلاد، وللاستفادة من المحنة:
المهمة الاولى: بعد ان تستقر الاوضاع بشكل كامل، يجب ان يكون هناك حوار وطني شامل في البحرين تشارك فيه جميع القوى.. حوار محوره، فهم ما جرى بالضبط. بمعنى، فهم، كيف وصلنا الى هذه اللحظة الخطيرة التي شهدتها البلاد؟.. ما هي الاساب التي قادتنا الى ذلك؟ ومن المسئول بالضبط؟.. ما هي مسئولية قوى المجتمع المختلفة؟ وما هي مسئولية الحكومة ومؤسسات الدولة؟
هذا امر مهم ان كان لنا ان نستخلص الدروس الصحيحة، وان نتصرف على اساسها.
المهمة الثانية: انه لابد من اعادة نظر جذرية في الحياة السياسية في البحرين.
وفي تقديري الشخصي بداية، ان هناك من المبررات القانونية والسياسية ما يدعو الى الشروع في اتخاذ اجراءات لحل الجمعيات السياسية التي شاركت في هذا التمرد الطائفي. فقد اكتشفنا ان هذه الجمعيات اصبحت ادوات تدمير وطني، لا ادوات لحماية الوطن.
وبشكل عام، يجب وضع اسس وقواعد جديدة للعمل السيايسي عموما.
المهمة الثالثة: البحرين بحاجة الى مشروع وطني ضخم ومدروس لمحاربة الطائفية، وترسيخ ثقافة الوحدة الوطنية.
هذا امر لا غنى عنه لأنه في نهاية المطاف ليس هناك من سبيل امام كل ابناء الوطن سوى التعايش معا في اطار حب الوطن والولاء له.
وفي القوت الحاضر ، الكل مدعوون في البحرين الى الكف نهائيا عن اثارة العداوات الطائفية، والكف عن كل ما من شأنه ترسيخ الشرخ الطائفي الذي شهده المجتمع.
هذه مسئولية الكل بلا استثناء.