ماجد محمد الأنصاري

كانت المفاجأة صبيحة يوم الإثنين الماضي حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان في ظروف غامضة على يد القوات المسلحة الأمريكية. كما يفعل الأمريكيون دائماً أثاروا بلبلة من خلال ممارسة الموضوع بطريقة مثيرة للشك فتارة أعلن أن زوجته قتلت في العملية وتارة أخرى يقال إن بن لادن استخدمها كدرع بشري وأخيراً يقال إنها لم تقتل ولم تستخدم كدرع وأنها أصيبت في ساقها. على صعيد آخر يذكر تارة أن العملية واجهت نيران كثيفة وتارة يقال إن بن لادن نفسه كان مسلحاً حتى يعلن في وقت لاحق أن القتيل كان أعزل.
لست هنا في صدد الحديث عن مقتل بن لادن ولكن ما استرعى انتباهي هو ما حدث بعد هذا الإعلان على صفحات الإنترنت ففور الإعلان ظهرت رسائل إلكترونية ومواضيع في منتديات وغير ذلك من الوثائق والصور والتسجيلات التي تثبت وبالدليل القاطع أن القتيل quot;لم يقتلquot; فرأينا تحليل الصورة الذي يقارن بين صورة quot;لا نعلم مصدرهاquot; للقتيل مع صورة قديمة له لإثبات أنها فبركة إلا أن واقع أن القتلة لم يبثوا الصورة أصلاً يعني أن هذا الجهد لا معنى له.
وصل بعض البيانات التي يدعى أنها من بن لادن تنفي خبر مقتله وبعض الأخبار من quot;مصادر مطلعةquot; تعلن أنه سيظهر بعد أيام. ذكرني كل ذلك بمشاهد سابقة لأولئك الذين قتلوا وعادوا للحياة في أذهان محبيهم مثل خطاب القائد الشيشاني الذي اغتيل غدراً وصدام حسين الذي أعدم شنقاً ولو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أنه حتى ألفس برسلي المطرب والممثل الأمريكي الشهير والذي مات وشبع موتاً لا يزال هناك من يعتقد أنه حي ويعيش حياة هادئة في إحدى الولايات الأمريكية.
لا شك أن سوء التنظيم الأمريكي والتخبط في الإعلانات كان عاملاً مشجعاً للإشاعات والإعلانات المضادة ولكن هذا السلوك البشري المتمثل في عدم التصديق إلى حد اختراع حقيقة بديلة هو سلوك متكرر وخلال الشهور الأخيرة المليئة بالأحداث وجدنا هذه الحقائق البديلة في كل زاوية ومن كل مصدر حتى أصبحت الحقيقة غائبة تماماً. أذكر أن الكثير من الإيميلات التي تقترح حقائق بديلة تبدأ بتكذيب المصادر الرئيسة فتجد جملة تقول quot;لا تصدقوا الجزيرة والعربية والقنوات الإعلاميةquot; وكأن المصدر الذي يقترحه صاحب الحقيقة البديلة والذي لا يعدو عن كونه شخصاً يعرفه أو فهماً يخصه للواقع.
المشكلة الأساسية في هذا النمط من التفكير أنه يؤسس لانعدام الثقة في المجتمع فلا يثق صاحب هذا المنهج في أي شيء يقال علناً لأنه يبحث عن مؤامرة تدور في الخفاء، بطبيعة الحال هناك مؤامرات تدور في الخفاء وهناك حقائق مخفية لا تعرف علناً ولكن جعل الأصل هو أن الحقيقة التي نراها هي غطاء لحقيقة أخرى هو خطر كبير على ديناميكية المجتمع، الكثير من العرب يميلون لتصديق مثل هذه الإشاعات خاصة مع انعدام الشفافية في مجتمعاتنا حتى أن أحد الكتاب الأمريكان ذكر أن quot;العالم العربي تنتشر فيه شائعات حول مقتل بن لادن ولكن ذلك ليس غريباً حيث إن كثيرا من العرب والمسلمين ما زالوا يعتقدون أن أحداث سبتمبر هي من صنيع المخابرات الأمريكيةquot;.
كم أتمنى أن نصل إلى مرحلة من النضج في مجتمعاتنا بحيث تكون الحكومات والمؤسسات أكثر شفافية في إيصال المعلومة والشارع أكثر ثقة وعلمية في استقبال هذه الحقائق ولكني مع ذلك مازلت أستمتع بقراءة التحليلات الخرافية للوقائع اليومية والتي يبدو في كثير من الأحيان أنها نتاج ساعات من التفكير والجهد الضائع مع الأسف.