فيصل جلول

اجتمعت أسباب عديدة لتحقيق المصالحة بين فتح وحماس كان في طليعتها التغيير الحاسم في السياسة الخارجية المصرية، بعد الإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك . وتنهض هذه السياسة على استعادة الدور المصري في الشرق الأوسط وممره الطبيعي القضية الفلسطينية، واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتسخين العلاقات مع سوريا التي تحتضن قيادة حماس وتحتفظ بعلاقات جيدة مع السلطة الفلسطينية، في حين تعتبر طهران حليفاً قوياً للمقاومة الفلسطينية وعلى رأسها منظمة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية القيادة العامة . . إلخ، وكان واضحاً أن المحور السوري الإيراني قد شجع حماس على الانخراط في المصالحة وبارك التوقيع عليها في القاهرة .

من جهة ثانية أدى سقوط الرئيس مبارك إلى حرمان السلطة من حليف استراتيجي كان يغطي مجمل سياسته الخارجية، وبالتالي حثه (السقوط) على تعديل هذه الاستراتيجية والتقرب أكثر من القيادة المصرية الجديدة والمصالحة مع حماس . وقد طرأ التغيير المصري في وقت كانت فيه المفاوضات الفلسطينية ldquo;الإسرائيليةrdquo; قد وصلت إلى طريق مسدود بسبب إصرار نتنياهو على الاستيطان وإخفاق الولايات المتحدة في حمل الدولة الصهيونية على التراجع ومن ثم ارتدادها نحو ممارسة ضغوط على الفلسطينيين سواء في قضية غولدستون أو عبر استخدام حق النقض ضد قرار دولي بإدانة الاستيطان ldquo;الإسرائيليrdquo;، وإزاء هذا الانسداد في العلاقات الفلسطينية مع أمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; اختار محمود عباس أن يرقص في الملعب الآخر، وأن يوقع اتفاق مصالحة مع حماس لا تنطوي بنوده الأساسية على شرط إلغاء ldquo;الانقلاب على الشرعية الفلسطينيةrdquo; الذي كانت فتح تطرحه لطي صفحة الخلاف .

والظن الغالب أن الحراك الشعبي الفلسطيني قد دفع بالمصالحة إلى الأمام من خلال التظاهرات الحاشدة في الضفة الغربية التي هتف المتظاهرون خلالها بشعار ldquo;الشعب يريد المصالحة الفلسطينيةrdquo;، هذا فضلاً عن التغيير الذي شهدته تونس وهي قاعدة أساسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ناهيك عن انفتاح آفاق جماهيرية عربية واسعة مؤيدة للقضية الفلسطينية وعصية على الضبط والقمع على غرار ما كان يقع قبل انتفاضات الربيع العربي . ولعل ذلك كله حمل الرئيس الفلسطيني على توقيع ميثاق التفاهم مع حماس والبحث عن وجهة جديدة في العمل السياسي الفلسطيني .

وفي السياق نفسه ثمة مَنْ يعتقد بأن الاضطراب الذي تشهده منطقة بلاد الشام ربما حمل المسؤولين في حماس على التمسك أكثر بخيار المصالحة، فضلاً عن مباركة الخليجيين للتفاهم بصورة علنية ومكثفة، واستجابة حماس إلى هذه الضغوط .

يفصح ما سبق عن بعض الأسباب البارزة التي أدت إلى المصالحة بين فتح وحماس، فماذا عن رهانات الطرفين على المصالحة؟ الراجح أن حماس تراهن على إعادة إعمار غزة وعلى فتح المعابر بالاستناد إلى الشرعية الرئاسية وتحقيق انفراج في حياة الناس اليومية شبه المقفلة منذ مطالع العام ،2009 ناهيك عن تهميش التيارات الفلسطينية الصغيرة المتشددة التي تستعجل ldquo;الجهادrdquo; مع الدولة الصهيونية، أضف إلى ذلك حاجة المنظمة إلى كسر نطاق العزلة الأوروبية والأمريكية والدولية حيث تصنف حماس كحركة إرهابية . ولعل فتح معبر رفح يساعد الحركة في الحصول على ما تحتاجه من المساعدات الضرورية، فضلاً عن عودتها إلى النشاط الطبيعي في الضفة الغربية وإطلاق سراح قادتها وأعضائها من سجون السلطة الفلسطينية .

أما فتح فقد عثرت من خلال الاتفاق على خشبة الخلاص المتناسبة مع التغيير الذي تشهده الساحات العربية، ويمكن للاتفاق أن يعيد السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة وإحياء المؤسسات الرسمية وتوسيع هامش المناورة أمام الرئيس الفلسطيني الذي صار بوسعه الحديث باسم شعبه الموحد في الضفة والقطاع .

لئن كانت الأسباب والرهانات على المصالحة الفلسطينية مفيدة للطرفين ومضرة للدولة الصهيونية وحلفائها، فإنها تعتبر أحد أهم الأنباء الإيجابية التي حملها ldquo;الربيع العربيrdquo; حتى الآن، ليتضح مرة أخرى أن القضية الفلسطينية كانت وستظل المستفيد الأول من نهوض العرب والخاسر الأول من كبواتهم .