عبد الرحمن الراشد


لا بد أن القيادة السورية مصدومة مما تسمعه وتراه من الذين كانوا حلفاءها الإقليميين. لم تكف تركيا عن استنكار ممارسات الأمن السوري وانتقاد القيادة السورية علانية. كما تعاطت قطر بسلبية أيضا مع دمشق حيال ما يحدث هناك. وفي حركة بهلوانية انقلبت حركة حماس على دمشق، طارت إلى القاهرة وتصالحت مع السلطة الفلسطينية في غفلة من القيادة السورية المشغولة بإطفاء الحرائق في درعا ودوما وبقية المدن المحترقة.

لا بد أن السلطات السورية اكتشفت فشل سياستها الخارجية، ليس بسبب مواقف هذه الأطراف الثلاثة فقط، بل أهم من ذلك لأنها أغفلت العامل المحلي في التعاطي الخارجي، فما الفائدة من حلف سورية مع إيران الذي صار عبئا عليها، وأين هم حلفاء أيام الرخاء؟ الخيبات السورية الثلاث، التركية والقطرية وحماس، تعبر عن الواقعية في إدارة السياسة العربية. لا دولة تريد أن تشاهَد إلى جانب نظام وهو في نزاع مع شعبه إلا عندما يطالها التهديد أيضا. فبعد سقوط النظام في مصر سقطت أسطورة النظام الحديدي، وتعلمت الدول أن تؤجل الإفصاح عن مواقفها الحقيقية إلى ما بعد حين، إضافة إلى أن هول القمع في سوريا يجعل الحكومات العربية محرجة أمام مواطنيها. لا يمكن لأي حكومة أن تجاهر بالتأييد إلا إذا كانت هي نفسها متورطة في ممارسات مشابهة.

وهذا ذكرني بموقف محرج مررت به قبل نحو ثلاثين سنة، عندما كنت طالبا جامعيا في الولايات المتحدة وأعمل في الوقت نفسه مراسلا متعاونا مع صحيفة laquo;الجزيرةraquo;. في طريق العودة، في إجازة عيد الميلاد الدراسية، طلب مني رئيس التحرير خالد المالك أن أتوقف في دمشق من أجل إنجاز عمل للجريدة. في بهو الفندق جلس إلى جانبي أحد الدبلوماسيين السعوديين حيث حدثني عن الوضع في العاصمة السورية، كان هناك انتشار عسكري والطريق إلى فندق الشيراتون مليء بالعديد من الحواجز ونقاط التفتيش. وقعت في تلك الفترة ما عُرف لاحقا بـlaquo;مذبحة حماهraquo;. قلت له إنني جئت في مهمة لا علاقة لها بالحدث. نصحني أن أغادر فورا. كان يخشى أن يسهم وجودي في حدوث أزمة سياسية وشيكة بسبب زميل سابق مر قبلي بدمشق. قال إن الرئيس الراحل حافظ الأسد يبدو أنه أراد أن يتحدث عما حدث للصحافة السعودية، ومن أجل إنجاز الحديث عثر مسؤولو الإعلام السوريون على صحافي مغمور مثلي كان في زيارة للعاصمة، استضيف على عجل وجيء به إلى الرئيس للتصوير معه، وأعطي مقابلة عن حسن العلاقة والتواصل مع السعودية. باختصار قال لي الدبلوماسي إن المقابلة لم تنشر. كان من الواضح أن الجميع يتعمدون أن يباعدوا بينهم وبين النظام في مواجهته الدموية مع مواطنيه. في اليوم التالي غادرت المدينة التي كساها الثلج الأبيض.

التاريخ يعيد نفسه، فها هو صديق دمشق أردوغان، رئيس وزراء تركيا، يحذر علانية نظام الأسد بأن حكومته لا تستطيع السكوت على ما يحدث من قمع، خاصة أن الانتخابات التركية على الأبواب.