أحمد الجارالله

هل هذه هي الثورة التي أرادها المصريون الذين استوطنوا ميدان التحرير في القاهرة من أجل إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك: مصر الغارقة في الفوضى الامنية, والمنزلقة سريعا الى الفتنة الطائفية فيما تدور في بعض مدنها حروب أهلية صغيرة?! اذا كان ما نشاهده الان في شوارع مصر هو المطلوب مما أسمي ثورة, فبئس الثورات التي تهدم الأوطان, وتريق الدماء في الشوارع تحت شعارات طائفية ومذهبية.
ربما لا يدرك الذين يشعلون النيران في المجتمع المصري اليوم ماذا تعني ان تقع أرض الكنانة فريسة الفتنة الطائفية والفوضى, أو هم لا يدركون ان الخسائر المباشرة التي ترتبت على الثورة تلك فاقت الـ70 مليار جنيه مصري, واكثر بكثير هي الخسائر غير المباشرة, وزاد عدد الفقراء, بينما ما تبقى من مؤسسات الدولة غارق في حمى الثأر من مسؤولي النظام السابق, وكأن الذين يديرون دفة الأمور حاليا ليسوا من انتاج هذا النظام الذي انقلبوا عليه, وتركوا البلاد للمجهول بعدما شلوا المؤسسات كافة!
ما تواجهه أكبر دولة عربية اليوم لا يهددها وحدها فقط, بل ان آثاره ستطال كل الدول العربية لما لها من تأثير في كل الاوضاع الاقتصادية والسياسية, وحتى الاجتماعية, وبالتالي ليس الهمّ المصري همّا تنفرد به قلة من الناس, ولا تقبل قاهرة المعز ان تتحول الى مقصلة كبيرة تقطع فيها الرؤوس بناء على الشبهات او النيات, ولا ان يتحول القبطي عدوا للمسلم او المسلم عدوا للقبطي, وترفع في شوارعها المتاريس, ولهذا كله يجب ان تخرج quot;أم الدنياquot; من لوثة الفوضى هذه, وتدرك المنزلق الذي وضعت نفسها فيه حين أراد البعض جعل ميدان التحرير وحده مصدر السلطات والحكم, وجرى تغييب العقل والمنطق, ما دفع الى هذا الغرق في المستنقع الطائفي البشع الذي اذا ترك على عواهنه سيحرق الجميع, ولا رابح فيه أبدا.
ان تعود مصر الى ادارة رشيدة قادرة على وضع حد للفتنة الطائفية التي تطل برأسها البشع, وتوقف في الوقت نفسه الانهيار الاقتصادي الآخذ بالتسارع, وتعيد السياسة الخارجية الى دورها العربي المركزي, يبدو أنها تحتاج الى زمن طويل, لا يقل عن عشر سنوات على أقل تقدير, وهو ما لم يكن في حسبان الذين سعوا بكل حماسة الى إسقاط الدولة من خلال إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك ورفضوا سعي الرجل الى الاصلاح من داخل الدولة والقبول بالانتقال السلمي للسلطة عبر انتخابات رئاسية في سبتمبر المقبل, لاسيما بعد ان أعلن استجابته للمطالب الشعبية, وقتذاك كان يمكن لمصر ان توفر على نفسها هذا الثمن الغالي من الدماء والممتلكات والاقتصاد, ولا تسقط ضحية حمى الثأر العمياء, لكن سبق السيف العذل, ولم يعد ينفع البكاء على اللبن المسكوب.