إدريس لكريني

أعاد اغتيال زعيم القاعدة أسامة بن لادن صباح يوم الثاني من شهر مايو 2011 على أيدي قوات عسكرية أميركية داخل الأراضي الباكستانية النقاشات بصدد عودة تنظيم القاعدة إلى الواجهة من جديد، ومدى فعالية ونجاعة التدابير التي اتخذتها الولايات المتحدة في سياق ما تعتبره حملة laquo;دوليةraquo; لمكافحة laquo;الإرهابraquo;، ومدى تأثير هذا الاغتيال بالسلب على مستقبل القاعدة وأدائها.
لقد تلقى تنظيم القاعدة في السنوات الأخيرة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأميركية وهجمات مدريد (مارس 2004) التي نسبت المسؤولية فيهما للتنظيم، مجموعة من الضربات العسكرية المتتالية ومطاردة واسعة لأعضائه في كل من أفغانستان وعدد من الأقطار الأخرى كباكستان، وهو الأمر الذي دفع بالتنظيم إلى الانتشار في مناطق مختلفة معروفة بنزاعاتها وصراعاتها، كما هو الشأن بالنسبة للعراق والصومال والشيشان واليمن بصورة تسمح له باسترجاع قوته ورسم استراتيجيات جديدة، حيث ظهرت العديد من التنظيمات الفرعية كتنظيم laquo;القاعدة في بلاد الرافدينraquo;، و laquo;قاعدة الجهاد في جزيرة العربraquo;، وتنظيم laquo;القاعدة في بلاد الشامraquo;، وتنظيم laquo;القاعدة في بلاد فارسraquo;، وقاعدة المغرب الإسلامي.
إن تموقع القاعدة في مناطق معروفة بصراعاتها العسكرية والسياسية يعكس اهتمام التنظيم باستغلال الفراغ الأمني بهذه المناطق، والاستفادة من فضاء رحب يمكن أن يساعدها على إجراء التدريبات بعيدا عن أعين المراقبة الأمنية، وممارسة حرب العصابات والاختطافات.
لقد أثار الأسلوب الأميركي في مواجهة laquo;الإرهابraquo; إشكالات كبيرة من حيث تركيزه على الجانب الأمني، وعدم وقوفه على مختلف العوامل التي تغذي الظاهرة، ولعل ما يثبت إفلاس هذه المقاربة سواء في صورتها القانونية والاتفاقية أو الميدانية هو النتائج العكسية التي بدأت تتمخض عنها التي تؤكد يوما بعد يوم أن ظاهرة الإرهاب بكل مظاهره هي في انتشار مطرد على امتداد مناطق مختلفة من العالم.
يكاد يجمع الكل على أن ظاهرة laquo;الإرهاب الدوليraquo; أصبحت تشكل تحديا كبيرا أمام المجتمع الدولي برمته بالنظر للتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي أصبحت تطرحها أمام مختلف الدول بشمالها وجنوبها، فالعمليات التي طالت عددا من البلدان في السنوات الأخيرة، أكدت أن مخاطرها تتجاوز مخاطر الحروب النظامية بالنظر لجسامتها وفجائيتها واستهدافها لمنشآت استراتيجية ومصالح حيوية وخسائرها البشرية الفادحة.
فبعدما كانت العمليات laquo;الإرهابيةraquo; تتم وفق أساليب تقليدية وتخلف ضحايا وخسائر محدودة في الفئات والمنشآت المستهدفة، أصبحت تتم بطرق بالغة الدقة والتطور بعدما استفادت المنظمات laquo;الإرهابيةraquo; من مختلف الإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة، وذلك باستثمارها سواء على مستوى التواصل بين أعضائها والترويج لإيديولوجيتها وعملياتها وبرامجها من خلال شبكة الإنترنت أو في تنفيذ عملياتها بدقة متناهية وأمان.
ورغم إقرار المجتمع الدولي برمته بهذا الخطر الذي أصبح يحتل مكانة بارزة على رأس قائمة الأولويات ضمن مختلف اللقاءات والمؤتمرات الدولية، فإن التباين المطروح بصدد مفهومه الملتبس أضحى عائقا أمام مقاربته بشمولية وفعالية تسمح بوقف زحفه وانتشاره.
فالرؤى والمواقف إزاء هذه الظاهرة تتنوع تبعا لتباين الخلفيات الإيديولوجية والثقافية والسياسية، وتتعدد بين مؤكد على اختزال laquo;الإرهابraquo; في كل أشكال العنف، وبين من يميز بين العنف المشروع والعنف المحرم، وبين من يركز على laquo;إرهابraquo; الأفراد، وبين من يميزه عن laquo;إرهابraquo; الدولة، الأمر الذي ينعكس بالسلب على بلورة جهود دولية فاعلة لمواجهة الظاهرة في إطار من التنسيق والتعاون.
إن إلقاء نظرة سريعة على مختلف الجهود الدولية المرتبطة بمكافحة ظاهرة الإرهاب في شتى في صورها، تؤكد أن جل هذه الجهود اتخذت الطابع العلاجي، وتحكم فيها الهاجس الأمني أكثر من أي اعتبارات أخرى.
والتجارب الدولية المريرة في هذا الخصوص (أحداث أميركا بتاريخ 11 سبتمبر 2001 مثلا) أوضحت وبالملموس أن أي إجراء أمني مهما توافرت له الإمكانيات البشرية والتكنولوجية والمادية لا يمكنه الحد من هذه الظاهرة، بعدما أصبح القائمون بهذه الأعمال يطورون آلياتهم ووسائلهم ويستغلون وبتحايل كبير أضيق الفرص والفجوات لتنفيذ أعمالهم.
إن مواجهة الإرهاب لن تتأتي بصورة فعالة إلا في إطار من التعاون والتنسيق الدوليين، واختزال مواجهة الظاهرة في القبض على قياديين ومحاكمتهم أو اغتيالهم، ينطوي على قدر كبير من المبالغة، ذلك أن عددا كبيرا من الضالعين في عمليات نسبت لـ laquo;القاعدةraquo; في مناطق مختلفة من العالم، لم يتلقوا تدريبات لدى هذا التنظيم أو التقوا بزعمائه، بقدر ما انخرطوا بشكل تلقائي في تنفيذ مخططاته، بناء على اقتناعهم بإيديولوجيته ومخططاته.
ويشير الكثير من التقارير والأبحاث إلى أن انتشار القاعدة في عدد من المناطق لا يخضع للولاء الشخصي وتلقي الدعم والتعليمات المباشرة من التنظيم المركزي بقدر ما يخضع لولاء إيديولوجي يسمح بإنشاء خلايا مستقلة تقنيا ومرتبطة فكرا وإيديولوجيا بتنظيم القاعدة المركزي أو بتحول جماعات قائمة إلى تنظيمات فرعية للقاعدة.
ونستحضر هنا إعلان laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتالraquo; في الجزائر خلال شهر يناير من سنة 2007 عن تغيير اسمها إلى laquo;تنظيم القاعدة في المغرب الإسلاميraquo; بعد مشاورات مع زعيم القاعدة في هذا الشأن.
كما أن مواجهة laquo;الإرهابraquo; لن تتأتي بشكل فعال مع بقاء مجموعة من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية بدون حل (الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومختلف الأراضي العربية الأخرى، الاحتلال الأميركي للعراق)، ومع استمرار السلوكيات الاستفزازية التي تنهجها الولايات المتحدة عبر سياساتها الجائرة في العديد من المناسبات والمحطات، التي تصل أحيانا إلى حد تعطيل عمل المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة أو تحريفها عن أهدافها وقطع الطريق أمام تدخلاتها المشروعة، وهي العوامل التي يعتبرها العديد من الباحثين والخبراء تحريضا على laquo;الإرهابraquo;.