إبراهيم غرايبة

الحراك الإصلاحي الجديد في العالم العربي (وربما الإسلامي) وما تبعه من تفاهم غير مسبوق بين الشعوب والمجتمعات العربية وبين الغرب، ومظنة تصفية ملف القاعدة والعنف المنتسب إلى الإسلام ربما يقدمان مؤشرات مهمة على إمكانية البدء بعلاقة جديدة بين الغرب والعالم العربي والإسلامي، علاقة ربما تنهي العداء وفقدان الثقة المستحكم منذ قرون طويلة، وقد بدا واضحاً في عصر المعرفة والتعولم غير المسبوق أن المصالح الغربية في الدول العربية لن تقوم ولن تنجح إلا من خلال حالة متقدمة من التفاهم والثقة على مستوى الشعوب والمجتمعات وأن الأنظمة السياسية العربية غير قادرة على إنشاء علاقات مفيدة ومهمة للطرفين ولا على حماية المصالح المتبادلة، ففي الاقتصاد الجديد القائم أساساً على الثقة لم تعد القبضة البوليسية قادرة على فعل شيء حتى لحماية نفسها فضلاً عن حماية أصدقائها.

وتوافق ذلك مع حراك جديد للشعوب والمجتمعات العربية على أساس من المصالح والحريات والعدالة بعدما تخلت عن التجمع على أساس من العداء الثقافي والمقاومة الوهمية والممانعات لتكتشف أولوياتها الحقيقية، وهو ما أنشأ تعاطفاً وتفاهماً جديدين بين الغرب والشعوب العربية... فهل تشكلت بيئة جديدة لعلاقات مختلفة بين الإسلام والغرب؟

وربما كان في وقته وعلى غير موعد كتاب laquo;اللقاء المعقد بين الإسلام المتنوع والغرب المتعددraquo; لمؤلفه فيليس داسيتو عالم الاجتماع البلجيكي والمشغول بالدراسات الإسلامية والتحولات الإسلامية في زمن العولمة والإسلام في أوروبا، والذي صدر مترجماً عن مؤسسة كلمة في أبو ظبي. يقول داسيتو: laquo;إننا في غالبية الأحيان ننظر إلى هذا اللقاء على أنه علاقات بين ثقافات أو ديانات، فيما الأمر يتعلق بتداخل بين الحضارات، يذهب تفكيرنا إلى عوامل لا مفر منها من أجل تنظيم العلاقات بين الأمم، فيما نحن نواجه عمليات تتخطى مفهوم الدول ndash; الأمم التي نشأت في القرن التاسع عشر، غالباً ما نستمر في التعامل مع هذه الصلات بنماذج تفكير قديمة، ونسعى إلى إحياء التوازنات المفقودة، ومعالجة نقاط احتكاك ملتهبة، فيما المطلوب هو ابتداع طريقة جديدة لبناء علاقات بين عوامل تتلاقىraquo;

أين موقع العالم الإسلامي اليوم في علاقته مع الغرب من هذه التحولات الكبرى؟

اللقاء لا يقتصر على الديانات ولا على الثقافات فقط وإنما هو لقاء غير مسبوق بين حضارات، والرهان على لقاء بين بلدان العالم الإسلامي ودول الغرب يكمن في التوصل إلى النظر إلى العلاقات الحالية والمستقبلية من خلال إغنائها بالعمق الحضاري لدى كل الأطراف، فهناك الكثير من التداخلات القائمة بين هاتين المجموعتين، وهو ما لا ينطبق مثلاً على التداخلات القائمة التي تربط الغرب بالحضارات اليابانية أو الصينية.

ولكن هناك برأي داسيتو خمس موضوعات نزاعية كبرى، تدفع إلى المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي، وهي: النزاع حول الفرد، فبقدر ما يحمل الإسلام من ثقافة فرادنية، ولكن الفردية تمثل حالة خلاف، والنزاع حول النساء والرجال، فما زالت العلاقة بين الرجال والنساء وأدوارهم تحكمها أوضاع وحالات تخلّى عنها الغرب الذي مضى بعيداً في المساواة والحرية التامة للرجال والنساء في العمل وأسلوبي الحياة وفي العلاقة الشخصية والجسدية، والنزاع حول النظام، فتتشكل المجتمعات في الغرب الحديث حول العوامل التكنولوجية والاقتصادية، ويقتصر دور الدين على الحياة الشخصية لتصبح العلاقة مع الله ذاتية لا تمتد إلى المجتمع وتنظيمه.

وفي المقابل فإن العالم الإسلامي يسعى إلى إعادة ابتكار مجتمع يكون الدين محوره، والنزاع حول الموقع في العالم، فيعتقد المؤلف أن العالم الإسلامي هو المكان الوحيد الذي تعلن فيه مواجهة أيديولوجية شاملة، وهو خطاب برأي المؤلف غير متماسك، ولم يتوصل إلى اقتراح نموذج بديل، وليس سوى هروب إلى عالم متخيل يحتل فيه تنظيم طقوس العبادة والعلاقة بين الجنسين موقعاً متميزاً، ويصنف الغربيون هذا النموذج بأنه تقليدي ينتمي إلى ما قبل الحداثة أو مقاومة الحداثة، والنزاع حول التطرف، فيظهر الغربيون قلقاً مما يعتبرونه عدم تسامح إسلامي إزاء كل ما لا ينتمى إلى الإسلام. ولكن الأحداث الأخيرة أنشأت (ربما) صورة جديدة للغرب، فقد تحول من محتل إلى مخلّص، وقد يساعد هذا في تجاوز هذه النزاعات.