مأمون فندي


خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما بالأمس، كان من أسوأ خطاباته الرئاسية على الإطلاق. والسؤال: لماذا جاء الخطاب بكل هذا السوء؟ ظني أن الحوار الذي دار في البيت الأبيض حول هذا الخطاب كان كالتالي: laquo;سيادة الرئيس، في الشرق الأوسط لدينا أمران أساسيان، الأول يتعلق باستقرار كل دولة على حدة، بمعنى الثورات العربية والتحول الديمقراطي في الدول التي حدثت فيها الثورات، وكيف نعدل من سياستنا تجاه هذه الأحداث الكبرى. والثاني هو الأمن الإقليمي بصورته المجملة الذي يتلخص في التوصل إلى سلام بين العرب والإسرائيليين كإطار للأمن الإقليمي المستقبلي. وبالطبع هناك الأمر الثالث الذي يخص وضعنا في الداخل وإعادة انتخابك رئيسا. وهنا يكون السؤال هو: كيف نستثمر مقتل أسامة بن لادن من أجل إعادة انتخابك مرة أخرى، وكرد على الذين ينتقدونك على أنك غير قادر أو مؤهل للتعامل مع قضايا الأمن القومي؟
الرئيس: هذه النقاط أنا موافق عليها، ولكن سؤالي يخص السيكونس (الترتيب الزمني)، فأيها يأتي أولا؟ وبأي نغمة نتحدث؟ فليس من المعقول أن نبدو وكأننا نتباهى بمقتل أسامة بن لادن، لأن هذا سيبدو مستهجنا وسوقيا! كما أنني لا أستطيع أن أضع السلام كإطار أمن إقليمي بعد الثورات، لأن الحدث اليوم هو الثورات العربية ودورنا في طريقة دعمها، مع الانتباه إلى أننا يجب ألا نظهر وكأننا من فجر هذه الثورات. أما عملية السلام فلا يجب تجاهلها رغم أن جميعنا يعرف لماذا أحبطت أعمال جورج ميتشل، فالإسرائيليون لا يريدون أن يتنازلوا، ونتنياهو قادم لزيارتي، والفلسطينيون ومعهم الأوروبيون يحاولون إحراجنا بطرح استقلال الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وإذا ما استخدمنا (الفيتو) لصالح إسرائيل فسنكون قد عزلنا أنفسنا عن العالم.
المساعد الأول القريب من التوجهات الإسرائيلية: سيدي، اليوم القصة في الشرق الأوسط ليست قضية السلام، القصة هي الثورات والإصلاح والديمقراطية، في مظاهرات القاهرة أو تونس لم يأت المتظاهرون على ذكر فلسطين ولو مرة واحدة. بالطبع لا يجب إهمال السلام، ولكن لا بد أن تعرف أن نتنياهو قادم إلى واشنطن لمؤتمر الإيباك (اللوبي الصهيوني)، ويجب ألا نحرج اليهود قبل مؤتمرهم، لا داعي للضغط على إسرائيل حتى لا يستخدم اليهود آلة الدعاية الخاصة بهم لتقويض فرصك في الانتخابات القادمة.
مساعد ثان يفكر في سره: ذات مرة قالها جيمس بيكر بصراحة في عهد بوش الأب، إن اليهود لا يصوتون لنا (يعني الجمهوريين) على أي حال، وخسر بوش الانتخابات، فهل نجازف بهذا؟ بالطبع لا، ولكن المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط تغير تماما، فيجب ألا نبدو وكأننا أسرى لسياسات الماضي.. يتحدث إلى مساعد آخر ملون من جماعة أوباما: ما رأيك لو قلنا شيئا قويا نضغط به على إسرائيل، وفي الوقت نفسه نحتفظ بالحديث عن الإصلاح والديمقراطية في الشرق الأوسط كأولوية لسياستنا الخارجية؟ وهنا يتشجع المساعد الذي كان يفكر في سره ويقول: لنكن عمليين، مقولات الإسرائيليين القديمة ومقولات لوبي الإيباك أو صهاينة واشنطن لم تعد مقنعة. إسرائيل لم تعد هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط كما كانوا يروجون، ثم إنه وبعد قدرتك، سيدي الرئيس، على قتل بن لادن، فأنت لا تحتاج إلى الصوت اليهودي على أي حال، هذا يكفيك للحصول على الأصوات اللازمة.
يرد الكاتب الأول للخطاب والقريب من (الليكود) قائلا: لا لا، هذه ليست ديمقراطيات بعد، لا تغرك الثورات، العرب غير قادرين على صناعة ديمقراطية، انظر إلى العراق، موضوع الأقليات والحفاظ على حقوقهم هو المهم، لأن مصر ستقع في يد (الإخوان) إن عاجلا أو آجلا. المهم التركيز على الإصلاح وعلى حقوق الأقليات، ودعم هذه الديمقراطيات ولكن ليس دعما كاملا، نقلل من مسألة إعفاء مصر من الديون، ونعفيها من مليار ونقدم لها مليارا مساعدات، لأننا لو ساعدناهم بقوة الآن نخسر كثيرا.
الرئيس: كلها ملاحظات جدية، إذن السيكونس هو الحديث عن الديمقراطية والإصلاح، ونغلفها بنوع من المقابلة ما بين بن لادن الذي أراد التغيير بالعنف، والشباب الذين أنجزوا التغيير بالعمل السلمي، ونعقد مقارنة بين انتحار بوعزيزي في تونس كشهيد للديمقراطية، واستشهاديي حماس ضد إسرائيل، ونرجح بالطبع كفة التغيير السلمي. سيكون هذا واضحا، ولإرضاء المصريين لا بد أن نقول كلمتين عن مصر على أنها النموذج، وأن تغيير مصر يعني تغيير المنطقة.. إلى آخر هذا الكلام.
المساعد القريب من (الليكود): سيدي الرئيس، لا بد من الحديث عن بوعزيزي وروزا بارك التي رفضت الجلوس في المقاعد الخلفية من (الباص) أيام العبودية في مجتمعنا، وبهذا تربط تاريخك الشخصي ووصولك إلى البيت الأبيض بالعمل السلمي وغير العنيف في التغيير.
أعتقد أن لدينا خطابا الآن، ومع ذلك لا بد أن نكون دقيقين فيما نقول لكل بلد على حدة، اليمن غير سوريا، ومصر غير تونس، والبحرين غيرها جميعا. ليس هناك مقاس واحد يناسب الجميع، يجب أن نفصل لكل بلد الكلام الذي يناسبهraquo;.
وقبل أوباما فكرة أن الديمقراطية والإصلاح تأتي قبل كل شيء، وقبل أيضا أن يكون موضوع السلام في نهاية الخطاب قبل laquo;سيكونس الليكودraquo;، وأن تكون الديمقراطية لا السلام هي أولوية السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. وقبل أن يتحدث لأكثر من جمهور، فبدلا من خطاب قصير واضح وملهم، ألقى أوباما خطابا طويلا ومملا وخاليا من أي إلهام، وسبب خلوه من الإلهام هو أنه تحدث لأكثر من خمسة جماهير في وقت واحد، لذا غاب أي مفهوم استراتيجي حاكم للكلمة، ولذلك فشل الخطاب وجاء كواحد من أسوأ خطابات الرئيس الأميركي.