عدنان حسين


اليوم يكون قد مرّ عشرين يوماً على مقتل أسامة بن لادن في مخبئه الباكستاني في غارة جوية أميركية أعدّت لها واشنطن طويلاً، وصفّق لها كل الأميركيين ومعظم العالم. واليوم أيضاً تُقرع الأجراس في كنيسة كاثوليكية أميركية في ذكرى بن لادن وتقام الصلاة على روحه!

ربما لن يُصدّق بعضنا هذا الخبر الذي نشرته مجلة quot;تايمquot; الأميركية في عددها الأخير، فكيف يُصلي مسيحيون أميركيون على روح من قتل في يوم واحد، بل في أقل من ساعة، نحو ثلاثة آلاف منهم في تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك منذ عشر سنوات، فضلاً عن آلاف آخرين على مدى العقدين الماضيين في مناطق مختلفة من العالم؟
قالت المجلة إن كنيسة quot;الاسم المقدس للمسيحquot; الكاثوليكية في منطقة quot;ويست بالم بيتشquot; في ولاية فلوريدا الأميركية ستقيم مراسيم صلاة من أجل خمسة أشخاص، أحدهم بن لادن. وبرر هنري بورغا الذي طلب إجراء المراسيم، وهو أحد أبناء الأبرشية، الأمر بان زعيم تنظيم القاعدة quot;يحتاج إلى مغفرة الرب وشفقتهquot;.
بالطبع احتجّ بعض أتباع الكنيسة على المبادرة، لكن رعوية الكنيسة قررت الانصياع للمبادئ وليس للمواقف العاطفية، ومبادئ الكنيسة تقوم على العفو والتسامح كما ترى هذه الرعوية.
سنستغرب الأمر، وربما لن نصدّق .. لماذا؟ لأننا، ببساطة، يصعب علينا أن نتخيل أن أحداً من رواد جوامعنا وحسينياتنا يمكن أن يقترح على شيخه إقامة صلاة الغائب على روح شخص مسيحي أو يهودي أو صابئي أو هندوسي، حتى لو كان ممّن قدّموا خدمات جليلة للإنسانية، وليس قاتلاً، بل رئيس قتلة مثل بن لادن.. لم يحدث هذا من قبل البتة، فمجرد التفكير في أمر كهذا غير مقبول، بل مُستهجن ومُستنكر، لأننا مشحونون بالكراهية وممتلئون بالحقد على الآخر.. بل حتى على أنفسنا، حتى أن بعضنا ما أن يرى صورته في المرآة في الصباح يتكدّر ويبادر إلى القول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!
في المدرسة، وفي الجامع والحسينية وفي المقهى أحياناً، نُعبّأ بالرفض والضغينة تجاه الآخر الذي هو شيطان رجيم.. كافر، لأن دينه غير ديننا (وأحيانا لأن مذهبه غير مذهبنا)، دمه حلال وماله مباح! وامتد هذا الموقف إلى ساحة السياسة، فالآخر، سياسياً، مرفوض ومنبوذ ويستحق النفي من الحياة كلها.
بن لادن نفسه كان تجسيداً لهذه الكراهية المفرطة والضغينة القاتلة والحقد المدمّر، المتجذرة كلها في تربيتنا وتقاليدنا، كان يعتقد أن الحق إلى جانبه والحقيقة مُلكه وحده وان الله يخصه وجماعته من دون الآخرين، لذا فأن قتل الآخرين بالجملة أو بالمفرق مطلوب، بل واجب!
الصلاة التي تقام اليوم على روح أسامة بن لادن في الكنيسة الكاثوليكية في فلوريدا الأميركية لن تردّ الاعتبار إلى رئيس القتلة بأي حال، وإنما هي إعلان مُبين بتفاهة فكره (فكرنا) الحقود.