عبدالله السويجي

يطل الرئيس الأمريكي باراك أوباما مرة ثانية ليخصص حديثه عن الشرق الأوسط بشكل عام، والعالم العربي بشكل خاص، ويتطرق إلى التغييرات التي يشهدها الشارع العربي، ويصرّ على الإيحاء أن الإدارة الأمريكية مشاركة في التغيير، ويتنبأ بتغييرات عديدة إضافة إلى مصر وتونس، ويؤكد دعمه للديمقراطية والإصلاح في العالم العربي، ولا يفوته أن يشير إلى التزامه بأمن الكيان الصهيوني، ولكنه يترك الباب مفتوحاً وموارباً، فهو في الوقت الذي يرى أن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون حدودها عند حدود ما قبل حرب ،1967 فإنه يشير إلى أنه سيتم تبادل بعض الأراضي بين الفلسطينيين وrdquo;الإسرائيليينrdquo;، وفق ما يرون وما يتفقون، لكن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني لم يعط فرصة لأوباما، فقام برفض ما جاء في خطابه، ورفض أن تكون الدولة الفلسطينية داخل حدود ،1967 وهو أمر غير جديد على أي مسؤول صهيوني، لا يرى سوى دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ولا تتمتع بالسيادة، وليس لديها حدود مع مصر والأردن، وليس لها سياسة خارجية، ولا تسيطر على معابرها أو حدودها، كما أنه لا يريد دولة فلسطينية موحدة تضم الضفة الغربية وقطاع غزة، لأنه أعلن منذ اليوم الأول رفضه للمصالحة بين حركتي حماس وفتح، ويرى أن المصالحة تتم مع ldquo;تنظيم إرهابيrdquo;، إلى آخر الأسطوانة التي يرددها بشكل مستمر، ليتملص من استحقاقات السلام، أو الانسحاب من الأراضي التي احتلتها الدولة الصهيونية الغاصبة في العام 1967 .

وليس غريباً أن يقع الرئيس الأمريكي أوباما في مأزق مع الكيان الصهيوني، ولكنه لن يدخل في مواجهة عنيفة معه، ولن يخيره بين الانسحاب أو اللجوء إلى مجلس الأمن، ولم يهدده بعقوبات اقتصادية أو عسكرية، لأن الكيان الصهيوني يعتبر الطفل المدلل للولايات المتحدة، ولن يصل الأمر حتى إلى مجرد التعنيف، فهو يدرك أنه مقبل على انتخابات في العام المقبل، وقد رشح نفسه لولاية ثانية، ويحتاج إلى أصوات اليهود الأمريكيين، إضافة إلى نفوذهم في مجلس الشيوخ، وفي الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من عجز بمئات المليارات . ولهذا، فمن المتوقع أن تذهب تصريحات أوباما أدراج الرياح، كما ذهب خطابه الذي ألقاه بعد فوزه في الانتخابات في جامعة القاهرة، وهلل العرب والمسلمون له يومها، فباراك أوباما تحدث بلغة بليغة وعاطفية، واستفاد من خبرته كمحام، ولكن الأيام أثبتت أن الإدارة الأمريكية، بغض النظر عمن يسكن البيت الأبيض، لها استراتيجيتها وسياساتها الخارجية الثابتة، ولن يتمكن أي رئيس جديد تغييرها، فقد توقع العالم أن فترة أوباما ستكون مسالمة، ولكنها جاءت أكثر عنفاً من سابقتها، ليس لأن أوباما رئيس عنيف، ولكن لأن السياسة الأمريكية تقتضي ذلك، وها هو (يبشر) العالم العربي، أنه سيشهد رحيل رؤساء آخرين . إن تصريحات الرئيس أوباما لم تأت بجديد، فمنذ العام ،2002 والحديث يدور عن دولة فلسطينية في حدود ،1967 وتصريحات نتنياهو لم تأت بجديد، فشارون، رئيس الوزراء الصهيوني الذي يعيش في غيبوبة تامة، كان قد سبق نتنياهو بوصف المبادرة العربية التي انطلقت في بيروت والتي تشير إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، ودولة فلسطينية داخل حدود ،1967 بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وبهذا، تكون المواقف الأمريكية والصهيونية متشابهة، وهذا يفرض سياسة جديدة يقوم العرب والفلسطينيون باتباعها، ليس من بينها مطالبة الكيان الصهيوني أن يمنح الفلسطينيين دولة، إذ كيف تطلب من عدوك أن يمنحك استقلالك، فهذا الأمر يشبه طلب السجين من سجانه أن يمنحه الحرية، ولهذا، على الجانب العربي أن يدرس الخيارات التالية:

- أولاً: إعادة التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، وتصدر كل دولة تصريحات في هذا المنحى، كما تصدر جامعة الدول العربية تصريحات جادة وقوية كلما تشدق الجانب الصهيوني بكلمات بذيئة .

- ثانياً: أن يتم تعديل النظام الأساسي لجامعة الدول العربية بحيث يلزم الدول الأعضاء بقراراتها ولاسيما تلك الخاصة بالقضية الفلسطينية، وأن يجتهدوا ليكون للوطن العربي سياسة خارجية منسجمة مع البعد القومي والمصالح الوطنية للشعب العربي .

- ثالثاً: أن تواصل مصر فتح المعابر بينها وبين قطاع غزة، ولا تكترث للمواقف الصهيونية، فالدولة الصهيونية ترتعد خوفاً من عودة مصر بكل قوتها إلى دولة مواجهة .

وعلى الجانب الفلسطيني أن يقوم بالخطوات التالية:

- أولاً: تعزيز المصالحة والإسراع بتشكيل حكومة وطنية قادرة على تسيير شؤون الشعب الفلسطيني، ووضع سياسة خارجية قوية، وسياسة داخلية تضمن الحرية والكرامة للشعب الفلسطيني .

- ثانياً: أن توجه خطابها للكيان الصهيوني من منطلق قوي، وليس من باب الاستجداء، وأن تضع المقاومة خيارا في مقابل فشل عملية السلام، وأن تتصرف وكأنها تحيط خصرها بحزام ناسف، فلا شيء يرعب الكيان الصهيوني أكثر من عودة الانتفاضة أو المقاومة الشعبية في الأراضي الفلسطينية، ويجب أن يكون القادة الفلسطينيون على استعداد للتهديد بمغادرة السلطة وتنفيذه في الوقت المناسب .

- ثالثاً: أن يضغطوا باتجاه أن تتحمل الجامعة العربية مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية .

- رابعاً: أن يلجأوا للشعب قبل توقيعهم على أي قرار مصيري، أي أن يحيلوا أي اتفاق مع الكيان الصهيوني لاستفتاء شعبي، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية أن ترضى بالنتائج، أليست هذه هي الديمقراطية التي يتغنون بها .

- خامساً: وضع جدول زمني غير قابل للتمديد لتنفيذ المطالب .

- سادساً: أن يعتمدوا على الشعوب العربية، وأن يخاطبوها، وعليهم أن يستعيدوا ما حدث في الخامس عشر من مايو/أيار، حين هبت الشعوب وانطلقت إلى الحدود .

وأخيراً، لم يعد الوضع يحتمل الكثير من التأجيل والمماطلة، وعلى الفلسطينيين والعرب أن يستغلوا الظروف الراهنة لمصلحتهم، وأن يقلموا أظافر الكيان الصهيوني، وأن يضعوا المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وعليهم أن يثقوا أن بإمكانهم الاعتماد على الشعوب العربية بكافة معتقداتها ومذاهبها، فهي القادرة وحدها على وضع العالم أمام الحقيقة، وهل هناك حقيقة أنصع من وجود شعب متشرد لمدة 63 عاماً .