خالد هنداوي

في سمر ساخن التقينا كإخوة أصدقاء نتحدث أمس حول الذي يجري في بلادنا سوريا الغالية من أحداث يشيب لهولها الولدان حيث لا لغة تستعمل عند أصحاب القرار ضد المتظاهرين المسالمين إلا لغة الرصاص والنار والحديد وكأن هذه العصابات الهمجية فعلاً ترش زخات الموت على الذباب أو الحشرات المؤذية لا على بشر من بني الإنسان لهم كرامتهم وحقوقهم وإن اختلفوا في الرأي معهم، بل الأزيد على القتل والجرح الخطف والتعذيب والاحتقار والإهانة والانتقام الدموي الخسيس الإجرامي والشتم المقذع الذي ينم عن حقد رفين وسفه غير محدود ولكم تأثرنا ونحن نرى ونسمع أزير الرصاص وكوابل زخات المطر ينهمر على المتظاهرين العزل الأحرار الأعزاء وهم يهتفون للحرية المفقودة فعلا وحقيقة في بلاد الشام منذ أكثر من أربعة عقود ولما تابعنا عدة لقطات في مختلف الفضائيات عن ثورات الاحتجاجات في دمشق وريفها والحرم الجامعي في حلب وفي حمص الباسلة وادلب الأبية ومناطق درعا وبانياس والقامشلي ومشاهد مؤثرة في حماة ومناطق وقرى أخرى حتى عمت سوريا كلها غير آبهة باتساع تحرك الدبابات والمدرعات والحصار والتطويق الذي ضرب على أهمها كدرعا وبانياس وحمص ومعرة النعمان وحماه وسقبا وغيرها بارزة بصدورها الشجاعة ضد آلة الظلم من جيش وأمن وشبيحة متحدية في جمعة آزادي الحرية الموت وأنه أفضل من المذلة بل إن كل مجزرة وسام للشرفاء ولعنة على الجزارين، وكان مما هيج نار غضبنا وغضب كل حر رأى وشاهد ذاك المشهد الذي يظهر أحد المتظاهرين وقد أخذه الشبيحة والجلاوزة جانبا في مدينة حماه وانهال عليه منهم أكثر من عشرين عنتريا بالضرب حتى فقد روحه أو وعيه وهم يجرونه كالحيوان الذبيح، يا لها من شجاعة يرى القاتلون فيها أنهم أمهر من فرسان عبس وذبيان وطرزان! وهنا تبادلنا الأسئلة والتعليقات فقال أحدنا: إنني لأعجب من شبابنا الأبطال كيف يسجلون أسطورة التاريخ المعاصر إذ إنهم منذ عشرة أسابيع يرمون بالرصاص الحي وهم صامدون لا يحميهم إلا قميص رقيق على الصدر؟! فأجاب الآخر: يا أخانا العزيز أنسيت ما هم فيه من مخزون الإيمان والإرادة والإباء، ألم تسمع هتافاتهم المدوية؟: المنية ولا الدنية، النار ولا العار فهل تحدي عقلية النظام المسلحة مع من يتمنى الشهادة ويعيد ألف مرة شعر المتنبي:
عش عزيزا أو مت وأنت كريم
فسأل صديق آخر ولماذا هذه المعالجة الدموية الوحشية؟ وهل إلى سبيل غيرها لو عقل النظام؟ فرد أخ آخر قائلا: إن من يفهم المعالجة الأخوية الوطنية قوم لهم دين يردعهم أو قيم تحجزهم ولكن هيهات هيهات لو عرفوا ما جاء في الأثر من منع أي أحد أن يشير إلى أخيه بالسلاح وأن من فعل ذلك فإن الملائكة تلعنه. وهذا بمجرد الإشارة حقنا لدم المسلم فهل يمكن أن يفعلوا ذلك؟ فتذكر السائل قول جميل صدقي الزهاوي:
وكل حكومة بالسيف تقتضي
فإن أمامها يوما عصيبا
فقال: هؤلاء لن ينجحوا عاجلا أو آجلا لأنه كما يقول المثل التركي: السلاح عدو صاحبه، ولأن انتقامهم من المحتجين المسالمين إنما هو عدالة الهمجيين كما يقول فرانسيس بايكون إنها النفس التي حرم الله قتلها وقنصها في جميع الشرائع والأديان ومع ذلك فلا تنس أن هذا التعاطي الفاشل إنما هو تعاطي الجبناء الذين تمتلئ قلوبهم بغضا ولا يعرفون للمحبة مكانا والبغض انتقام الجبان كما يقول برناردشو وبناء البغض مشيد بحجارة الإهانات وإن هؤلاء الجبناء إنما يحاربون عندما لا يسعهم الفرار كما يقول شكسبير فيصبحون كأنهم فرسان الميدان ضد الأبرياء العزل:
وإذا ما خلا الجبان بأرض
طلب الطعن وحده والنزالا
وقد أصاب المتنبي، فإن مثل هؤلاء يفكرون بأرجلهم ساعة الخطر فهم في عبودية والشجعان في حرية وهم لا يستأسدون إلا على أهل وطنهم أما حيال الصهاينة والمعتدين فهم حمائم وديعة:
أسد علي وفي الحروب نعامة
ربداء تنفر من صفير الصافر
قال الصديق الآخر: إنهم يوسعون المعتقلين الذين باتوا بعشرات الآلاف تعذيبا جسديا واحتقارا باللسان أيضا، وليس ذلك بغريب على من بلغ به الحقد مداه والخصومة أوجها وكما قال عنترة:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
وليس رئيس القوم من يحمل
الحقد كما قال المقنع الكندي، إن هؤلاء كتل ضخمة هائلة من الحقد على كل ما هو حضاري فماذا تتوقع منهم وقد ذكر علي بن أبي طالب من جرى عليه مثل هذا الوصف:
إن الحقود وإن تقادم عهده
فالحقد باق في الصدور مغيب
وإن بينهم وبين المثل العربي: عند الشدائد تذهب الأحقاد بعد الأرض عن السماء إن مثل هؤلاء السفهاء قادرون على ارتكاب كل شيء كما يقول فولتير أو كما كان يصف الشاعر العراقي معروف الرصافي من كانوا يتآمرون على الوطن من أبناء الجلدة وهم تبع للأجانب حقيقة لا مراء فيها:
كلاب للأجانب هم ولكن
على أبناء جلدتهم أسود
قال صديق آخر: فماذا نقول في النازحين الذين فروا إلى لبنان وتركيا والأردن، وقد قارب عددهم الآن فقط إلى لبنان خمسة آلاف ومن درعا إلى الأردن كثير وكثير، فأجبنا هذه هي حالات الظلم والجور التي يضطر الناس فيها إلى الهروب لأي ملاذ آمن وقد قتل بعض ذويهم واعتقل أو فقد آخرون وقد رأينا بأعيننا الصبية الصغيرة التي فقدت أباها وعمها وهي تبكي فكيف لا يهاجرون من وطن يذلون فيه:
وإذا نزلت بدار ذل فارحل
ورب عيش أخف منه الحمام
ثم كان لابد من هذا السؤال المهم: من المسؤول عن قتل المتظاهرين وسفك الدم البريء والاعتقال التعسفي وانتهاك الحرمات والتعذيب العجيب في المشهد السوري هذا، وهنا كان الجميع على إجابة واحدة لا اضطراب فيها: إن المسؤول الأول هو رئيس السلطة ولا نقول دولة لأنه ليس فيها مواصفات الدولة في علم السياسة والاجتماع، إن الرئيس ومن معه من الأركان من وزير دفاع ووزير داخلية وأجهزة أمنية واستخبارات يتحملون وزر كل ما جرى ويجري على أرض الشام المباركة من قتل وجرح وإيذاء وانتهاكات للرجاء والنساء والشباب والشواب والمعارضين بالرأي الآخر وقد جاء في الأثر أن الزعيم غارم، وقال عمر رضي الله عنه: أشقى الولاة من شقيت به رعيته، وقال محمد عبده: شر السلاطين من خافه البريء والراعي مسؤول عن رعيته كما في الحديث وكما قال علي: ليس تصلح الرعية إلا بالولاة، وكان أبو بكر يقول في خطبة ولايته: إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني والحكومة المثلى هي حكومة القانون والمؤسسات لا حكومة الأشخاص، كما قال جون مارشال وهو ما ينطبق على المشهد السوري بحكم العائلة والحزب القائد والمنتفعين، وكما يقول المثل البلجيكي:
إن أكثر أمراض الحكومة سوءا ما يكون في الرأس أي لأنه المسؤول الأول وهو الذي يفتخر بهذه المسؤولية طالما أنه يتأتى إليه نفع فكيف يمكن له التملص منها عندما يجلب الشر على الناس إنه الذي تسبب بظلمهم وإن الذين وقفوا في وجهه قاموا بالسنة والمروءة والديمقراطية والحرية ينادون متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ! كما قال عمر ويعرفون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم بعقاب من عنده، إن مثل هؤلاء الحكام الذين لم يتركوا بينهم وبين شعوبهم حتى شعرة معاوية كيف لا يسألون ويحاسبون على هذه الدماء أكثر من ألف قتيل وآلاف الجرحى وآلاف آلاف المعتقلين والمعذبين والمهجرين سابقا وحاضرا، وإنما السياسة اقتياد القلوب بالإنصاف كما قال عبد الملك بن مروان، وإن هذه الجرائم المقترفة بحق شعبنا الباسل هي التي تجر إلى العار والتاريخ لن ينسى ذلك ويا ليت مثل هؤلاء عرفوا ما قاله بوالا: يمكن للمرء أن يكون بطلا دون أن يدمر الأرض ولكن الحرب عند هؤلاء إنما هي تسلية لهم ضد شعوبهم وإذا كان الرئيس كما يقول: اتخذ قرارا بعدم رمي الرصاص على المتظاهرين فلماذا لا يطاع، إن كان انشقاق في النخب حوله فيجب أن يعلن ذلك وأن ينحاز إلى الحق، ثم إنه على كل حال إن كان رئيسا منتخبا حقا فهو مسؤول وإن انتخب بالقوة والوراثة فهو مسؤول أيضا لأنه حكم بالتغلب فما عدل بل ظلم وطغى وبغى فلابد له من محاسبته ثم خرج جميع الأصدقاء بالحكمة التي قالها عبد الرحمن الكواكبي: إن الحكم القائم على الظلم لا يدوم.