علي حماده


ليس ثمة شيء اسمه quot;وسطيةquot; في لبنان. هذا مجرد مصطلح تلطى خلفه الرئيس نجيب ميقاتي سنوات عدة لكي يخفف من ارتباط اسمه بالرئيس السوري بشار الاسد. فقد كان quot;رجل بشار الاسدquot; في الحكومة الاولى التي ألفها. وآنذاك فهم ان الخروج عن المتفق عليه غير ممكن فأكمل مهمته من دون اخطاء كبيرة. لكنه كان الوحيد الذي قبل به النظام السوري رئيسا للحكومة بعد خروجه، وحاول ابقاءه في سدة الرئاسة الثالثة بعد انتخابات 2005 فلم يفلح في مواجهة الموجة الاستقلالية الهادرة، فجاء فؤاد السنيورة ممثلا اصيلا للحالة الاستقلالية في لبنان. في المرة الثانية، أتى ميقاتي كخيار اصيل لبشار الاسد ووافق عليه quot;حزب اللهquot;، وسوّق له وليد جنبلاط باعتبار انه الوحيد الذي يمكن مقاتلة سعد الحريري به. كان ذلك في كانون الاول الفائت. انقلبت المعادلة فجاء نجيب ميقاتي quot;رجل بشار الاسدquot; مكلفا تشكيل حكومة الغلبة التي ضم اليها جنبلاط ومحمد الصفدي الذي اغري بالانتقال على قاعدة انه ما دام الحريري قويا فلن يرى رئاسة الحكومة. وقد توهم ميقاتي والمنتقلون معه الى صف quot;حزب اللهquot; والنظام في سوريا ان الانتصار كامل، وان موازين القوى انقلبت الى غير رجعة. فجاهر البعض مثل جنبلاط بأنه صار جزءا اصيلا مما يسمى جبهة الممانعة والمقاومة من طهران الى دمشق، اما البعض الآخر مثل ميقاتي فتمسّك بمعسول الكلام الذي يتقنه، وحاذر استفزاز السنّة كمرشح فرضه الثنائي الشيعي والحليف في سوريا.
منذ اليوم الاول لاختيار نجيب ميقاتي، بدأ التحول الكبير في المحيط الاقليمي من مصر الى ليبيا واليمن ثم سوريا. واليوم تبدو الصورة قد تغيرت بشكل كامل. فالنظام في سوريا يسير بخطى ثابتة نحو بوابة الخروج محمولا بالدم المسفوك في سوريا، الامر الذي اسقط بشكل عملي احدى مرجعيتي ميقاتي اللتين جاءتا به رئيس وزراء مكلفا. اما quot;حزب اللهquot; الملاحق عربيا ودوليا فأفضل ما يقوم به اليوم هو quot;خفض رأسهquot; في زمن سقوط الرؤوس الكبيرة حوله، والبحث عن صيغ توافقية مع القوى الحقيقية في البلد.
حكي كثيرا عن quot;وسطيةquot; تجمع ميقاتي وعلاقته برئيس الجمهورية ميشال سليمان، ووليد جنبلاط ونبيه بري، وتحاول اصطياد بعض الرؤوس الكبيرة في 14 آذار. ولكن لكي تكون الامور واضحة، نقول ان الوسطية التي يحكى عنها اذا قامت فستكون غطاء للتحالف الذي اتى بنجيب ميقاتي. انها تغطية لسياسة بشار الاسد في لبنان، فلا ميقاتي خرج من تحت عباءة مرجعيته في دمشق، ولا بري صار مستقلا، ولا جنبلاط شرب حليب السباع الى درجة تحرره من quot;الدبقquot; الذي علق فيه. أما ميشال سليمان فأفضل مواقف له هو الانتظار لا الانضمام الى quot;جبهةquot; جديدة لن تدوم، وستذهب بها التحولات الكبيرة التي ستصيب الداخل السوري. فما بني على اساس ان بشار الاسد عاد الى لبنان سقط مع سقوط اول قطرة دم في سوريا، وانتهى مع غرق النظام في بحر من دماء ستودي به عاجلا ام آجلا. فقليلا من الحس السليم أيها السادة.