محمد نور الدين

غالبا ما كانت الانتخابات النيابية في تركيا محطة تعكس الاختلافات والتوترات الداخلية في بلد لم يعرف الاستقرار الفعلي في يوم من الأيام.
وكان يمكن أن تكون الانتخابات الجديدة يوم الأحد المقبل في 12 يونيو الجاري محطة مختلفة لولا أن كمّ المشكلات التي تواجهها تركيا كبير إلى درجة يحتاج معها إلى المزيد من الوقت وإلى المزيد من الإبداع والجرأة لمواجهة التحديات بل الأخطار.
كان يمكن لحزب العدالة والتنمية الذي جاء بانتصار تاريخي في العام 2002 إلى السلطة والذي جدد انتصاره وبصورة أكثر دويّا في العام 2007 في مواجهة الإنذار العسكري، أن يصل إلى انتخابات الأحد المقبل وهو في ذروة سكونه وانفجاره الإبداعي لو أنه نجح في تجاوز المشكلة الإتنية المتصلة بالأكراد تحديدا.
ليس من أدنى شك في فوز حزب العدالة والتنمية الأحد المقبل بل في أن يفوز بغالبية مريحة جدا تزيد على النصف بعدد كبير من النواب وتخوّله أن ينفرد بالسلطة أربع سنوات أخرى.
يحتاج حزب العدالة والتنمية إلى أربع سنوات أخرى لاستكمال برنامجه الإصلاحي على المستوى الداخلي.
يحتاج لكي يكون في السلطة لمواصلة برنامجه للتنمية الاقتصادية وقبله للتنمية السياسية المتمثلة في إعداد دستور جديد.
لم يعد الدستور الجديد المؤمل جديدا بالكامل، فخطوات الإصلاح في السنوات الثماني الماضية أثخنت الدستور العسكري الموروث منذ العام 1982 بعمليات جراحية بعضها كبير وعميق. وآخرها رزمة الإصلاح التي طالت أكثر من 28 مادة في الدستور والتي فازت بنسبة عالية في استفتاء شعبي في 12 سبتمبر الماضي.
مع ذلك فإن البلاد تحتاج إلى إعادة صياغة لكامل الدستور من نقطة الصفر تعكس التحوّلات التي حصلت في تركيا في السنوات الأخيرة، ومن أهمها استكمال استئصال quot;فلولquot; البنود والقوانين التي لا تزال تعطي العسكر حق التدخل في الحياة السياسية وأهمها المادة 85 من قانون الخدمة الداخلية للجيش.
وتحتاج تركيا لدستور جديد يكفل كل الحريات ومن أهمها الحريات الفردية والدينية ومن أهمها حرية ارتداء الحجاب في الجامعات كما أيضاً في القطاع الحكومي كما هو معمول به في الولايات المتحدة وكندا.
ومع أن تركيا ضمنت الكثير من الحريات الفكرية والإعلامية فلا تزال مسألة التضييق عليها من وقت لآخر تشكل إحراجا لحكومات حزب العدالة والتنمية.
لكن من بين التحديات الكبرى التي تواجهها بل في مقدمتها هي استيعاب المشكلات الإتنية والمذهبية وإخراجها من أن تكون صاعقا يطيح بوحدة البلاد واستقرارها.
للمرة الأولى تذهب تركيا إلى انتخابات تكون فيها المشكلة الكردية عنوانها الأهم رغم كل ما يحاول حزب العدالة والتنمية إظهار عكس ذلك.
يعرف رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان أن معركته ليست مع منافسه الأول حزب الشعب الجمهوري العلماني المتشدد الذي لن يشكل منافسا جديا له وستقف أصواته في حدّها الأقصى عند الثلاثين في المائة بل هي في الأساس على الصوت الكردي الذي يجتمع للمرة الأولى في لوائح مشتركة لكن بصفة مرشحين مستقلين.
يطوّر أكراد تركيا معركتهم السياسية وربما العسكرية من الدولة التركية وهم يذهبون إلى انتخابات عنوانها الحكم الذاتي للأكراد ومنحهم حقوق التعلم بلغتهم الأم. والأهم أن يعيد الدستور التركي المقبل تعريف هوية الأمة التركية بشكل تمنح ضمانات في الدستور للاعتراف بالهوية الكردية. وهنا معضلة المعضلات. حيث لا يتوقع أن يتجاوب حزب العدالة والتنمية مع هذه المطالب كما لا يتوقع من الأحزاب الأخرى أن توافق عليها.
لذا يخوض الأكراد معركة مصير لكي يكون الدستور الجديد صورة عن تركيا الجديدة التي يراد لها أن تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي.
والخطر الأكبر،هنا، أن يستمر حزب العدالة والتنمية في نهج إنكار الهوية الكردية وبالتالي يسمح لعدم الاستقرار في الاستمرار بل في انتقال النضال الكردي إلى مرحلة جديدة يلوّحون بها ليس أقلها ثورات تفوق عنفا ما تشهده البلدان العربية من ثورات متنقلة.
ولعل ما يعطي التهديدات الكردية مصداقية أنها تتزامن مع الاضطرابات التي تشهدها سوريا والتي يمكن أن تكون شرارة لاضطرابات إقليمية وفوضى يستفيد منها quot;البلوك الكرديquot; في كل منطقة الشرق الأوسط وهو ما يعني خريطة جديدة في المنطقة تكون تركيا أبرز ضحاياها.
ولن ينفع القول إن قوة الدولة في تركيا أو انتماءها إلى حلف شمال الأطلسي هما ضمانة لوحدة البلاد ولعدم هزّ الاستقرار فيها. فهي مقولة كانت ترددها عن نفسها بعض الدول العربية فإذا بها تشهد اضطرابات أوسع من غيرها.
تتوقع استطلاعات الرأي أن يحقق حزب العدالة والتنمية انتصارا كبيرا بنسبة تتراوح بين 40 و50 في المائة.
ونظريا يفترض أن يوفر نجاح حزب العدالة والتنمية لولاية ثالثة استمرارا أيضاً للنهج المعروف في السياسة الخارجية. لكن التطورات الإقليمية قد لا تفيد حتما باستمرار ذلك.
وإذا كانت المسؤولية الأولى في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية تقع على حزب العدالة والتنمية فإن ذهنية الحزب لا تقتصر عليه وحده بل إنه يختصر واقعا يشمل غالبية شرائح المجتمع التركي وهنا، كما الفرصة الأكبر، المشكلة الأكبر.