عائشة عبدالله تريم

منذ أيام، كتبت في حسابي على ldquo;التويترrdquo; العبارة الآتية:

ldquo;إنّ المصطلح الأكثر استعمالاً هذا العام هو وسائط التواصل الاجتماعي . لقد ضقت ذرعاً بهذا المصطلح! نعم، أدرك المفارقة في تدوين هذه العبارة فلا تسولنَّ لكم أنفسكم أمراً!rdquo;

ما زلنا نقرأ عن وسائط التواصل الاجتماعي ومنذ بدايتها، ولكن بعد أن عزوا إليها اندلاع الثورات في الشرق الأوسط، أصبحت هذه المواقع حديث العام . فقد تدفقت المناقشات والتحليلات عن الثورات العربية على مواقع الإنترنت مثل ldquo;فيسبوكrdquo; وrdquo;تويترrdquo; حتى تحولت إلى فيضان على المنطقة فزادتها غرقاً فوق غرقها في همومها المهمة، لذا دونت صيحتي المنفعلة على التويتر .

أجل، لقد ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في كشف جوانب من الثورات حاولت الحكومات حجبها، ولعل فتيل إحدى الثورات قد اندلع على صفحة من صفحات ldquo;الفيسبوكrdquo; التي لم تكن سوى أدوات استُخدمت في بناء حلم وطني! فكم من ثورات اشتعلت قبل وجود ldquo;الفيسبوكrdquo;، سواء صدقتم ذلك أم لم تصدقوا؟

ففي عام ،1952 لم يكن لحركة الضباط الأحرار في مصر على ldquo;الفيسبوكrdquo; صفحة خاصة تدعو إلى إسقاط الملكية التي تدعمها بريطانيا . وقبلها ثورة 1919 في مصر . كذلك، لم تدوّن حركة عصيان غاندي نضالها لإنهاء الحكم البريطاني في الهند على موقع ldquo;تويترrdquo;، كما لم يحمّل كاسترو أو جيفارا أشرطة الفيديو التي تصور زحفهما عبر الغابات إلى كوبا على ldquo;اليوتيوبrdquo; . ولا دعوة مارتن لوثر كينغ للحقوق المدنية ولا ثورة الشعب الجزائري ضدالحكم الفرنسي . ورغم ذلك، فقد وقعت الثورات وأطيح بالحكومات الجائرة والاستعمار . لذا قبل أن نبالغ في أن ننسب الفضل الكبير في اندلاع الثورات إلى وسائط التواصل الاجتماعي، علينا أن نقوّم ما حققت تلك المواقع للثورات .

إن مواقع التواصل الاجتماعي ليست السبب المباشر في وقوع الثورات في الشرق الأوسط، فهي لم تكن أكثر من وسيلة للإعلان عنها، تمامًا كما كانت تفعل المنشورات والبيانات السرية في الماضي . هي إذاً مجرد وسيط لا أكثر، حتى لو سلمنا جدلاً أنها أكثر سرعة في الانتشار، فإنها تبقى وسيلة فقط . فالفضل في انطلاق الثورات يعود حكماً إلى الشعب وحده . ونحن نحتاج إلى تحليل ومناقشة الشعب وليس صفحة من صفحات ldquo;الفيسبوكrdquo; .

لقد أسفر اهتمام العالم المفرط بوسائط التواصل الاجتماعي عن هوس وافتنان حمل مستخدمي تلك الوسائط على الاعتقاد بأن وجودهم فيها أكثر أهمية من وجودهم في العالم الحقيقي . ففي عالم ldquo;التويترrdquo; أصبح كل شخص ناقداً . بل إن بعض المستخدمين يتصرفون كأنهم سياسيون يتنافسون على رئاسة ldquo;تويترrdquo;، يُعنون بقطاعات وشرائح معينة من العالم، فيصنفون ويبوّبون المواضيع في ldquo;تويترrdquo;، ويقومون بإعادة التدوين، ومراقبة التقلبات في أعداد تابعيهم .

لأولئك الناس ليس عندي ما أقول سوى الآتي: ldquo;أنتم تكسبون وتخسرون تابعين لكم على ldquo;تويترrdquo; . وإذا كان عندكم ما تقولونه فقولوه، لكن لا تعملوا على تضخيم الأنا لديكم بما يتناسب مع شخصياتكم الوهمية في العالم الافتراضي، فهذا ليس علماً إنما توترةrdquo;! وعلى أولئك الناس أنفسهم أطرح السؤال الآتي: ldquo;لو وقعت شجرة خارج تويتر، فهل يصدر عنها صوتrdquo;؟ لو تمكنت من استيعاب هذا السؤال فهنيئاً لك . فأنت على وشك أن تتربع على عرش تويتر!

تشير الأرقام إلى حياة الناس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي فقط، ولكن الأرقام لا تعكس دائمًا واقع العالم وأسبابه . وإذا كان عدد مستخدمي هذه المواقع يقدر بالملايين، فإن هناك البلايين من الناس يمشون على الأرض ولا يستخدمون تلك المواقع . وإذا لم يشأ هؤلاء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فهل نهمل وجودهم الفعلي؟ أفلا نقرأ أعمالهم إذا كانوا كتّاباً؟ أفلا نستمع إلى آرائهم إذا كانوا سياسيين؟ وهل نتركهم خلفنا ونبحر في قاربنا العصري الجميل الذي يحمل اسم ldquo;وسائط التواصل الاجتماعيrdquo;؟

إن مصطلح ldquo;وسائط التواصل الاجتماعيrdquo; هو في الواقع مصطلح متناقض، فليس في وسائط التواصل ما هو اجتماعي . وليس هناك ما يُرضي اجتماعيًا في ldquo;توترةrdquo; أشخاص غير محددين . فتلك الوسائط مجرد سبيل للتنفيس، وأمل في أن ثمة من يصغي في العالم الافتراضي إلى ما لا يريد أن يصغي إليه أحد في العالم الحقيقي .