عدنان حسين
في إحدى سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، والحرب ضد إيران كانت على أشدّها، زار صحفي أجنبي العراق وكتب في أحد تقاريره أنه وجد أن سكان العراق يبلغ عددهم 30 مليوناً: 15 مليون بشراً و15 مليون صورة لصدام حسين.
الآن يتجاوز تعداد البشر وحدهم في العراق 30 مليوناً، بيد انه يوجد إلى جانبهم ملايين الصور التي تنتشر في الشوارع وعلى الجدران في مختلف المدن والقرى. وربما لا توجد بين هذه الصور واحدة لصدام، لكن ثمة العشرات من زعماء الكتل السياسية وقادة الأحزاب وكذلك المئات من المرشحين الى الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل 15 شهراً، لم تزل صورهم التي حالت ألوانها أو بقايا هذه الصور تشوّه منظر الشوارع. والواقع أن هناك الكثير من العناصر الأخرى التي تشّوه هذه الشوارع، وبخاصة الأزبال ومستنقعات المياه الآسنة وفضلات مولدات الكهرباء من البترول، إلى جانب الحواجز الكونكريتية وقطع الحجارة المتناثرة في كل مكان.
وبين الصور المرفوعة في الشوارع أو الملصقة على الجدران صور مُتخيلة للائمة، وبخاصة الإمام علي وولديه الحسن والحسين، وبعضها لم يُراع في أماكن إلصاقها أن يكون ما يحيط بها مما يتناسب مع المقامات الرفيعة لهؤلاء الأئمة ومما يحفظ ويكرّس الاحترام والتقدير لهم، فالكثير من هذه الأماكن تنتشر فيه الأوساخ والأوحال.
ومن المفارقات انه يوجد أمام المحطة العالمية للقطارات (مؤسسة السكك الحديد) في منطقة علاوي الحلة قرب تقاطع دمشق ما يبدو انه كان نصباً خاصاً بصورة كبيرة لصدام، وقد أُستبدل بتلك الصورة بوستر لتمجيد شهادة السيدين محمد باقر الصدر ومحمد محمد الصدر. وكجزء من البوستر يعلو رأسي الشهيدين العلم نفسه الذي قُتِلا (إعداماً للأول واغتيالاً للثاني مع اثنين من أبنائه) باسمه وفي ظلّه.. علم حزب البعث ذو النجمات الثلاث وعبارة quot;الله أكبرquot; التي قيل إن صدام كتبها بخطه وبدمه!.. إنها مفارقة تنم عن جهل الذين وضعوا هذا البوستر وأبقوه حتى الآن بعد سنوات عدة من إلغاء ذلك العلم واعتماد علم جديد لدولة العراق.. وهي مفارقة تنم أيضاً عن جهل موظفي أمانة العاصمة الذين لم يعرفوا بعد أن دولتهم صار لها منذ سنوات علم جديد!
لا تعمر القلوب بالحب من خلال الصور، بدليل ان 15 مليون صورة أو أكثر لصدام ظلت تملأ الجدران حتى 9 نيسان 2003، علاوة على صوره التي كانت بأوامر همايونية تتصدر الصفحات الأولى للصحف وأغلفة المجلات وتلك التي يفتتح بها التلفزيون بثه ويختتمه يومياً، لم تدفع العراقيين الى الموت في سبيل صدام يوم سقط نظامه أو يوم جرى إعدامه. وقبل صدام لم تفعل ملايين الصور شيئا لهتلر وموسوليني وستالين وبول بوت وسواهم ممن لم تبق لهم في الذاكرة سوى صورة القاتل بتفاصيلها القوية.
سواء تحركت أمانة العاصمة والبلديات الأخرى بعد قراءة هذا العمود أم تعاملت معه باعتبارها لا ترى ولا تسمع، فان على القادة السياسيين وغيرهم ممن تملأ صورهم الشوارع أن يحرّكوا أنصارهم لرفع صورهم التي أصبحت جزءاً مما يشوّه مدننا، فهي تُسيء إليهم كثيراً مثلما تسيء الى الذوق العام مثلها مثل الأوحال والأزبال والمياه الثقيلة التي تحيط بها.
التعليقات