P.J. Crowley- Wahshington Post

الأسد لا يكتفي بانتهاك حقوق مواطنيه، بل إنه يضر بالمصالح الأميركية الوطنية الأساسية، ففي عهده، تتمتع إيران بنفوذ أقوى للتأثير في الأحداث الإقليمية، وتتابع سورية إضعاف سيادة لبنان ومصالحه منذ فترة طويلة، كما أنها تهدد الآن بزعزعة استقرار حدودها مع إسرائيل، وهو نوع من الابتزاز السياسي الذي يُضعف المساعي الأميركية الرامية إلى عقد اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط.
بعد ستة أشهر على انطلاق ربيع العرب، ها هي إدارة أوباما تواجه صعوبة كبرى في مواكبة وتيرة الأحداث المتسارعة وتطبيق سياسة إقليمية تتماشى مع المستجدات، لقد دعمت الإدارة الأميركية التغيير بشكل كبير، وقد عبرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن ذلك خلال خطاب ألقته في قطر، في شهر يناير، لكن لم يتحدد بعد شكل الخطوة التالية أو طبيعة الخطاب المقبل تجاه بعض الدول المحددة. اعتبر أحد المسؤولين في البيت الأبيض أن المقاربة الراهنة مبنية على محاولة مواكبة الأحداث، في إشارةٍ إلى أن الولايات المتحدة لا تستطيع السيطرة على سير الأحداث المستجدة، لكن يمكن أن نعتبر أيضاً أن هذه المقاربة تتحكم بالوضع من وراء الكواليس عبر اتخاذ خطوات عدة في المجالس الخاصة وعدم الإفصاح عن الكثير علناً. لكن تتجاهل هذه المقاربة الدبلوماسية التقليدية طبيعة الأحداث المتشابكة في ربيع العرب، إذ تحصل هذه الأحداث في العلن وعلى أرض الواقع. إنها ثورات حقيقية بكل المعاني، وقد ساهمت وسائل الإعلام الاجتماعية في تسريع مسارها، ما مكّن المحتجين من تحقيق الإنجازات خلال وقت سريع تزامناً مع تضييق الخناق على الحكومات المختلفة، منها الحكومة الأميركية، للرد على ما يحصل فوراً. عمدت الأنظمة إلى تعطيل خدمات الإنترنت ووسائل الإعلام الجديد (في مصر) أو وسائل الإعلام التقليدية (في سورية)، في محاولةٍ منها لإخماد تلك الثورات، ولكنها صمدت رغم هذه التدابير كلها. منذ ستة أشهر، لم يكن أحد يعلم بوجود هذه الشبكات الإصلاحية، ولا حتى الدبلوماسيين الأميركيين، أما الآن، فلا بد من أخذ الجماعات الجديدة التي تُعنى بالمصالح السياسية على محمل الجد والتواصل معها بشكل شامل. لدى المحتجين مطالب محددة نظراً إلى ترابطهم المتزايد وإدراكهم للوضع القائم، فهم يريدون من الدول الأخرى أن تختار الجهة التي تريد تأييدها، ويريدون أن تعترف تلك الدول بهم وأن تدعمهم فوراً.
بغض النظر عمّا سيحدث في الأشهر المقبلة، فلن تعود الأوضاع إلى سابق عهدها في تونس ومصر وليبيا واليمن، ولا حتى سورية. وينطبق الأمر نفسه على البلدان الأخرى التي تمكنت من احتواء الحركات الاحتجاجية أو التعاون معها. في حين تنتظر الولايات المتحدة نشوء خارطة جديدة في المنطقة، سيترافق هذا التردد في المواقف مع تكاليف باهظة.
قد يؤدي تراجع مصداقية الغرب راهناً إلى إضعاف نفوذه في حال نجاح هذه العمليات الانتقالية، إذ تشير استطلاعات الرأي منذ بدء أحداث ربيع العرب إلى حصول تغيير طفيف في المواقف الإقليمية تجاه الولايات المتحدة. في مصر مثلاً، صحيح أن الولايات المتحدة لم تطالب الرئيس حسني مبارك علناً بالتنحي، لكن كان الرئيس أوباما يسعى جاهداً إلى تنفيذ ذلك من وراء الكواليس، غير أن الرأي العام في ذلك البلد لا يبدي أي امتنان للولايات المتحدة، ففي أماكن أخرى، يعتبر الناس أن الإدارة الأميركية لم تبذل جهوداً كافية (في البحرين مثلاً) أو بالغت في تدخلها (في المملكة العربية السعودية مثلاً)، فلا يمكن تجنب هذه المواقف، إلا أنها قد تتغير مع مرور الزمن، لكن حتى الآن، لم تحصل أي ldquo;بداية جديدةrdquo; كتلك التي تحدث عنها أوباما في الخطاب الذي ألقاه في القاهرة منذ سنتين.
في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، تبدو الولايات المتحدة طرفاً سياسياً متردداً، وقد برز هذا الأمر بوضوح في سورية، ففي الشهر الماضي، وعلى الرغم من مرور أسابيع على بدء أعمال العنف، أصر أوباما على منح الرئيس السوري بشار الأسد حرية الاختيار: ldquo;يمكنه إدارة العملية الانتقالية أو التنحيrdquo;. تقلّ المؤشرات التي تدل على أن الأسد سيقود أي عملية إصلاحية، كونها ستجبره وأعوانه على التنحي، فهذا الحذر الأميركي يعكس الخوف من المجهول، وما يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة. غير أن الأسد لا يكتفي بانتهاك حقوق مواطنيه، بل إنه يضر بالمصالح الأميركية الوطنية الأساسية، ففي عهد، تتمتع إيران بنفوذ أقوى للتأثير في الأحداث الإقليمية، وتتابع سورية إضعاف سيادة لبنان ومصالحه منذ فترة طويلة، كما أنها تهدد الآن بزعزعة استقرار حدودها مع إسرائيل، وهو نوع من الابتزاز السياسي الذي يُضعف المساعي الأميركية الرامية إلى عقد اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط. لقد حدد الرئيس الأميركي، من خلال خطابات عدة، مقاربة جريئة وبسيطة في آن للتعامل مع ربيع العرب الذي يتماشى مع قيم الولايات المتحدة ومصالحها القائمة منذ زمن بعيد، فيجب أن نطبق هذه المقاربة أيضاً للتعاطي مع الشأن السوري. بعد الإعلان، في 3 مارس، عن أن ldquo;معمر القذافي فقد شرعيته كرئيس للبلادrdquo;، حان الوقت لقول الأمر نفسه للرئيس الأسد، وفي الشأن الليبي، أخذ الرئيس الأميركي المبادرة الأولى ثم حذا المجتمع الدولي حذوه، لكن لن يكون الرد على أحداث سورية مشابهاً، إذ لا وجود لأي خيار عسكري في هذه المرحلة، غير أن هذا الموقف سيوجه رسالة واضحة وشديدة اللهجة إلى النخب السورية التي تتابع دعم نظام الأسد، الأمر الذي سيؤدي إلى تعزيز عزلة النظام سياسياً وتوليد بيئة مناسبة لفرض عقوبات دولية إضافية. الأهم من ذلك هو أن الرئيس الأميركي، إذا أخذ المبادرة الأولى مجدداً، فسيعزز بذلك ثقة كل من يتابع مواجهة الأنظمة القمعية، لا في سورية حصراً، بل في جميع أنحاء المنطقة، إذ سبق أن قال الرئيس في 28 مارس: ldquo;قد تتمكن بعض الدول من تجاهل الأعمال الوحشية الحاصلة في بلدان أخرى. لكن الولايات المتحدة مختلفةrdquo;.
منذ سنتين، اجتاحت موجة من أعمال العنف طهران بعد الانتخابات، لكن الإدارة الأميركية لم تقدم تصريحات كثيرة وتركت الأحداث تعبر عن طبيعة النظام الإيراني. من وجهة نظري الخاصة، كان ذلك القرار صائباً، وقد أدى إلى تجريد حكام إيران من شرعيتهم، لكن نظراً إلى الأحداث الدرامية الراهنة في أنحاء المنطقة، أبرزها في سورية، يبدو أن مصداقية الولايات المتحدة أصبحت على المحك، ولا نعرف بعد ما إذا كان الأميركيون سيدافعون عن مصالحهم وقيمهم.
لا يمكن معالجة الأزمة السورية بين ليلة وضحاها، لكن حان الوقت لاتخاذ قرارات جريئة وتأييد الجهات المناسبة في ظل هذه الأحداث التاريخية.
شارك هذه المقالة