سمير عطا الله
هذا موسم استعادة العقاد.. أربعون أو خمسون أو ثلاثون عملا، في التاريخ والتراجم والنقد والسير والنباهة الصداحة.. عدت إليه لكي أقرأ عن مصر المعاصرة، بقلم ورؤية ونبض العقاد، لكنني تهت في عالم العقاد من جديد؛ لا شيء إلا ومر عليه بفكره، وتوقف عنده بتفكره.
وكنت قد قطعت وعدا للسفير السعودي لدى الإمارات، الفريق صالح العقيلي، بأن أتوقف عن الكتابة عن شكسبير، أو النقل عنه، أو حتى الإشارة إليه، وحافظت على الوعد نحو عقدين، لكن ها هو العقاد يبحر بنا في دنيا شكسبير وكأنه في جولة هادئة على النيل، ويطرح منذ مائة عام، السؤال المطروح أبدا: هل كان شكسبير رجلا واحدا؟
إذا لم يكن شكسبير رجلا واحدا في الأساس، فإنه قد laquo;صارraquo; كذلك. لا أحد ممن laquo;يمكنraquo; أن يكون قد نقل هو عنه نعرف عنه أي شيء. وفي ظني المتواضع أن ثمة اثنين لم ينقلا عن أحد ونقل عنهم أهل الأرض: شكسبير والمتنبي.. فكل من أراد شاهدا على شيء، وإسنادا لضعف، أو تأكيدا لحقيقة، أو تطريبا لفكرة، عاد إلى هذين المعجزين الشعريين؛ الأول في بلاده وطبائع أهلها، والثاني، وهو أكبر شعراء العرب، يطلب من ولاتهم ألف مرة أقل مما يحق له ويستحق.
وعندما كتبت مرة أن المتنبي أعظم 70 مرة 70 مرة من شكسبير، لكنه أضاع أغلى المواهب على الأعتاب، قامت الدنيا علي لأن أحدا لم يقرأ السطر الأول. وفي بلاهة الحنق، رددت على الردود الصغيرة وكأن المسألة هي سخفاء الجرائد لا عظمة المتنبي. وبعدها أصبحت أعيش في عقدة ذنب واستصغار الذات. فلم يعد ممكنا أن أعتذر من مجموعة مجاهيل لم يكتبوا في حياتهم
إلا دفاعا عن أعظم الشعراء العرب، وكأنهم حراس ديوانه، ولا كان يليق أن أعتذر على غباء ساعة الغضب التي جرني فيها مجموعة من مخافر النثر إلى التعريض بأمير الشعر العربي عبر العصور. كل ذلك لأن فرقة الشتامين لم تقف لحظة واحدة عند قولي إن أبا الطيب كان أعظم 70 مرة 70 مرة من شكسبير.
والآن انتهيت من قراءة شكسبير عباس محمود العقاد، وخلصت إلى أن المتنبي كان على الأرجح أعظم منه 60 مرة لا 70. ومن دون أن يدريا، خلد كل منهما ذكرى الحكام الذين لم يلتفتوا إليهما. ولا أدري من كان يذكر كافورا أو سيف الدولة، لولا أن هجا الأول ومدح الثاني. لا. لا. لا. لست أطرح ذلك بصيغة السؤال. أرجوكم لا ردود. اسمحوا لي أن أحب المتنبي كما أحببته منذ الرابعة عشرة من العمر، قبل ذلك السطر الذي لم يُقرأ: 70 مرة 70 مرة أعظم من شكسبير. الآن، 60 مرة 60 مرة. العشرة الأخرى للعقاد.
التعليقات