الوطن السعودية

القرار الأميركي بسحب 33 ألف جندي من أفغانستان بعد عام من الآن، هو في ظاهره تجاوب عملي مع استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة. تلك الاستطلاعات التي تشتد شراسة كل واحد منها عن سابقه في القول بعدم جدوى تواجد الجيش الأميركي في أفغانستان، وقبل ذلك العراق، بل إن هناك استياء عاما لدى رجل الشارع الأميركي من اتخاذ قرار الحرب على البلدين في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، وإن هذا القرار ما كان يجب أن يتخذ، وما كان يجب أن تستنزف كل تلك المليارات في حرب لا تعود على المواطن الأميركي بفائدة.
أما دهاقنة السياسة في واشنطن فإنهم اليوم يتحدثون بنفس الروح التي تتغشى رجل الشارع، وإن اختلفت اللغة، وهو ما تبدى في اعتراف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون، ولأول مرة بأن واشنطن فتحت قناة تفاوض مع طالبان أفغانستان، الأمر الذي لا يعني بأي شكل من الأشكال إلا عزم واشنطن على إقفال هذا الملف على علاته وبأية طريقة، نزولا عند رغبة الشارع الأميركي، وخروجا من الموقف الخانق على الأرض في أفغانستان.
إن سحب آلاف الجنود من أفغانستان -إن تم بشكل غير مدروس- سيحمل في داخله ثمنا باهظا على إنسان أفغانستان في المقام الأول، ومن البداهة أن يكون التساؤل: وما البديل في حفظ أمن بلد مزقته الحرب لسنوات؟ فالجيش الأفغاني وإن كان قد خضع للتدريب إلا أنه لم يصل إلى مرحلة تخوله بحفظ أمن بلد يعد من أسخن نقاط العالم على أصعدة عدة، بسبب تركيبته الديموجرافية والفكرية التي حولته عبر عقود مضت إلى بيئة خصبة لنشوء الجماعات المسلحة، والقاعدة خير مثال، إضافة إلى ازدهار تجارة المخدرات في البلاد كثقافة شعب، وما يتقاطع معها من أشكال الجريمة.
إن كانت واشنطن جادة في الخروج من أفغانستان وبشكل يضمن الاستقرار فيما يلي ذلك الخروج؛ فإن عليها في مفاوضاتها مع طالبان أن تضمن ذلك الاستقرار بكل السبل، وألا تتحول البلاد إلى ساحة احتراب على السلطة، وبالتالي نشوء أجواء مواتية ينطلق منها الإرهاب إلى العالم بشكل أعنف ربما مما شاهدناه في الحادي عشر من سبتمبر وما تلاه.