سميح صعب

هل هو انسحاب أم هروب؟ هذا هو السؤال الاكثر إلحاحاً بعد اعلان الرئيس الاميركي باراك أوباما عن بدء سحب 30 ألف جندي اميركي من افغانستان اعتباراً من تموز المقبل. فاذا كان انسحاباً، فانه يعني ان المهمة التي ذهبت القوات الاميركية من اجلها الى افغانستان قبل نحو عشرة سنين قد أنجزت. واذا كان هروباً، فإنه يعني ان الولايات المتحدة تريد النجاة بنفسها قبل ان تلاقي مصير الاتحاد السوفياتي وقبل ان تلاقي مصير البريطانيين الذين هزموا مرتين في هذا البلد.
وعلى رغم ان قتل زعيم تنظيم quot;القاعدةquot; اسامة بن لادن في باكستان في ايار الماضي قد أتاح للولايات المتحدة النزول عن الشجرة، وعزز حجة القائلين داخل ادارة الرئيس باراك اوباما بأن الوقت قد حان للانسحاب، فإن نظرة واحدة كافية للاستنتاج بأن افغانستان لا تزال بلداً غير مستقر وأن الرئيس الافغاني حامد كرزاي يكاد لا يحكم أبعد من كابول وبمساعدة القوات الاجنبية.
وهذا يعني ان quot;طالبانquot; تمكنت في السنوات الاخيرة، وعلى رغم التعزيزات الاميركية والاطلسية، من اعادة فرض نفوذها على مساحات واسعة من افغانستان. ولذلك لا أحد تساوره الشكوك في ان اميركا لا يمكنها الانسحاب تماما في الموعد المستهدف في 2014 وترك مهمة الامساك بالامن لحكومة كرزاي.
وإدراكاً لهذه الحقيقة، بدأت ادارة اوباما تتعامل بواقعية اكثر مع معطيات الوضع الافغاني. ومن هنا كانت المحادثات التي تجريها مع quot;طالبانquot; سعيا الى اشراكها في السلطة في مقابل تأمين انسحاب اميركي هادئ وضمان المصالح الاميركية بعد إنجاز الانسحاب الكامل.
وأزال مقتل بن لادن الكثير من التحفظات الاميركية عن الحوار مع quot;طالبانquot;، بعدما بدأت اميركا تروج في خطابها عن افغانستان ان حربها كانت على quot;القاعدةquot; لا على الحركة الافغانية. ولم يكن مثل هذا الخطاب سائداً في السابق. لكن مقتضيات الانسحاب بأي ثمن من الورطة الافغانية دفعت الولايات المتحدة الى التمييز بين quot;القاعدةquot; وquot;طالبانquot;. وطبعاً كان لافتاً ان مجلس الامن ترجم التوجه الاميركي الجديد في إصدار قرار باستثناء زعماء من quot;طالبانquot; من لائحة العقوبات الدولية.
لا شك في ان ثمن الانسحاب من افغانستان باهظ جداً بعدما ثبت فشل الخيار العسكري في القضاء على quot;طالبانquot;، وبعدما فشل كل الدعم الاميركي المادي والمعنوي في تأمين قيام بديل مقنع للأفغان.
واياً تكن المبررات التي ساقتها اميركا لحربها على افغانستان، وكائنة ما كانت الذرائع التي تسوقها للانسحاب اليوم، يبقى ثابت واحد في تاريخ هذا البلد هو القدرة على هزيمة الامبراطوريات.