إياد الدليمي

ربما ليست هي المرة الأولى التي تؤكد فيها إيران أطماعها بالعراق، ولن تكون الأخيرة، فإيران الإسلامية لا ترى في عراق ما بعد الاحتلال إلا ساحة خلفية لمشاكلها، وطاولة لحوار مع خصومها متى ما أرادت ذلك، وأيضا سوقا لبضائعها الرديئة، ناهيك عن ذراع طولى لها في المنطقة العربية، وسيف عنتري لإرهاب الخليج.
لا ترى إيران في العراق أكثر من ذلك، فمنذ اليوم الأول للدخول الأميركي للعراق وإسقاط نظامه في ربيع عام 2003، وإيران تلعب لعبتها الكبرى في المنطقة عبر بوابة العراق، بعد أن نجحت في ترسيخ أقدام حلفائها في بغداد، وباتت تعيش حلم القوة عبر بوابة العراق التي أحكمت السيطرة عليها جيدا، مستغلة الوجود العسكري الأميركي، ومحولة إياه لوجود يخدم
أهدافها أولا وثانيا إذا استطاع، فإنه يخدم واشنطن وسياساتها في المنطقة.
زيارة محمد رضا رحيمي نائب الرئيس الإيراني إلى بغداد قبل أيام، فتحت المجال من جديد واسعا أمام إيران لتلعب في ساحة العراق من خلال 11 اتفاقية اقتصادية، فرحيمي اصطحب معه وفدا كبيرا ضم نحو 400 شخص، بينهم ممثلون عن شركات إيرانية وأيضا قادة في الحرس الثوري الإيراني.
وليس خافيا على أحد أن أغلب الشركات الإيرانية الكبرى إنما تدار من قبل الحرس الثوري، وما هي إلا واجهة اقتصادية لنفوذ إيران السياسي، والعسكري أيضا، فأهل بغداد والمدن الجنوبية لهم قصص وحكايات مع المؤسسات الثقافية والاقتصادية الإيرانية التي انتشرت انتشار السرطان في الجسد عقب الاحتلال الأميركي.
وأكثر من ذلك، فلقد حملت الزيارة في طياتها مؤشرات خطيرة على عراق ما بعد الاحتلال، فالسيد المالكي رئيس الحكومة هبّ بنفسه لاستقبال الوفد الإيراني، بدلا من إرسال نائب لرئيس الجمهورية -وهم كثر ما شاء الله- لاستقبال الوفد الإيراني، ناهيك عن حالة الارتباك التي بدت واضحة على محيا السيد المالكي وهو يستقبل الوفد الإيراني، وأيضا أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الضيف الإيراني، متناسيا أنه رئيس وزراء العراق وليس مسؤول فرع حزب الدعوة في العراق التابع لإيران.
إن عقدة الدونية لبعض ساسة العراق أمام إيران تجعل المرء في حيرة من أمره في الكيفية التي يمكن أن تجعل مثل هؤلاء قادرين على مواجهة الأطماع الإيرانية في العراق، والتي لا يبدو أنها ستقف عند حد طالما كان ساسة المنطقة الخضراء يشعرون بارتباك أمام أي مسؤول إيراني حتى لو كان صغيرا.
يقول رحيمي في مؤتمره الصحافي مع المالكي: إن بلاده مستعدة للمساعدة في استتباب الأمن في العراق، في إشارة وضغط إيراني على المالكي لعدم طلب تمديد بقاء القوات الأميركية في العراق.
وتابع رحيمي: laquo;أُعلن صراحة أننا نسينا كل آلام الماضي التي سادت في سماء البلدين، وقلوب الإيرانيين كلها مع العراق وكل ما يحبه الإيرانيون موجود في أرض العراقraquo;.
شكرا سيد رحيمي لأنكم نسيتم ماضيكم مع العراق، وأشك في ذلك، ولكن قل لي بربك كيف يمكن أن ينسى العراقيون ماضيكم وحاضركم الدموي معهم؟ .
لقد فعلت الميليشيات الإيرانية، أو إن شئت الدقة: العراقية التابعة لإيران والمدربة هناك والمجهزة ماليا وعسكريا، ما تستحي منه حتى الشياطين، فكيف يمكن أن ننسى الدريل الكهربائي الذي كانت تستعمله ميليشيات إيرانية في ثقب جثث ضحاياها؟ كيف يمكن أن ننسى التفجيرات التي طالت الأسواق والتجمعات والتي ثبت بالدليل الملموس أن فروع ميليشياتكم في العراق كانت وراءها؟
كيف يمكن للعراقي أن ينسى احتلالكم لحقل الفكة النفطي؟ كيف يمكن أن ننسى فرق الموت التي ما زالت تغتال بأسلحة إيرانية وتخطيط إيراني؟ كيف يمكن أن ننسى دعمكم اللامتناهي لميليشيات القتل والإرهاب التي كانت تفتك بالعراقيين؟ بل كيف يمكن أن ننسى دعمكم حتى لتنظيم القاعدة في عملياته منذ نحو عامين، وتحويله إلى ذراع عسكرية لمخططاتكم؟ نعم يمكن لكم أن تنسوا laquo;آلامكمraquo; مع العراق، ويمكن أن تنسوا السم الذي تجرعتموه طيلة حربكم إبان الثمانينيات، ولكن نحن لن ننسى، ولن نرى في إيران إلا وجهاً متوحشاً وأذرعاً ملطخة بالدم تحاول أن تفتك بالأجساد والبلاد.

وأخيرا، متى يستقيم الظل إذا كان العود أعوج