سركيس نعوم
تعتقد حكومة حزب العدالة والتنمية الاسلامي الحاكم في تركيا ديموقراطياً ان توتّر العلاقات بينها وبين سوريا بشار الاسد لن يتسبب بأذى فعلي ومهم لها. طبعاً يعترف قادتها ان هناك افرادا ينتمون الى حزب العمال الكردستانيquot; التركي الثائر من زمان والمطالب حالياً بنوع من الحكم الذاتي، وهم على علاقة جيدة مع دمشق. وهؤلاء ربما يتحركون للضغط على انقرة او لإيذائها. لكن تركيا تعرف وسوريا تعرف ان quot;الملف الكرديquot; يقترب من نهايته. فوضع الاكراد الاتراك شهد تحسّناً مُطّرِداً وثابتاً وإن بطيئاً في السنوات الاخيرة، ويفترض ان يشهد مزيداً من التحسّن في ظل استراتيجيا رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وحزبه، وquot;الاعتدالquot; الذي بدأ يظهر على مواقف الاكراد الاتراك وخصوصاً بعد اعتقال زعيمهم عبدالله اوج الان، وتفاهم زعماء الدول التي فيها اكراد على منعهم من الحصول على دولة مستقلة وإن على أرضهم. وهو تفاهم مٌبارك من المجتمع الدولي. والانتخابات النيابية التي أُجريت في تركيا اخيراً اظهرت التحسّن المشار اليه. كما اكدت مواقف قادة الفائزين فيها ان الحكومة الجديدة، ستتخذ سلسلة من الخطوات التي تريح الاكراد.
ماذا عن علويي تركيا؟ وهل يشكلون مصدر قلق وربما اذى لتركيا الاسلامية وخصوصاً اذا تردّت الى اقصى حد العلاقات بين النظام السوري وquot;العصبيةquot; التي تدعمه بكل قوة وهذه الـquot;تركياquot;، واذا تعاطف العلويون الاتراك مع هذا النظام؟ عن هذا النوع من الاسئلة يجيب متابعون ومن قرب للاوضاع في تركيا ومحيطها فيقولون ان فيها مواطنين علويين يبلغ عددهم قرابة 18 مليونا. لكنهم علويون اتراك وليسوا علويين سوريين. قد يكون في تركيا علويون من اصول سورية، صاروا اتراكاً بعدما ضمت فرنسا لواء اسكندرون السوري الى تركيا بعد الحرب العالمية الاولى، ويراوح عدد هؤلاء بين مليون ونصف مليون وثلاثة ملايين. لكنهم مندمجون تماماً في المجتمع التركي. وقد اثبتوا ذلك من زمان وخصوصاً عبر المواقع المهمة التي وصلوا اليها سواء في الحياة الحزبية او في الحياة السياسية او في الحياة الرسمية. ولعل ترؤس علويي تركيا حزباً عريقاً هو حزب الشعب اي حزب اتاتورك مؤسس تركيا الحديثة والعلمانية الدليل الابرز على الاندماج المذكور. طبعاً جواب المتابعين هؤلاء عن احتمال تعاطف العلويين الاتراك مع quot;اخوانهمquot; السوريين منطقي. لكنه يثير بدوره اسئلة قد تعبّر إما عن عدم اقتناع كامل به، وإما عن شكوك في بعض مضمونه.
ابرز الاسئلة هو: اليس صحيحاً ان علويي تركيا ايّدوا النظام العلماني منذ اسسه اتاتورك، وانضموا اليه بغالبيتهم، ودعموه وحموه لأنه حوّلهم مواطنين مساوين للاتراك الآخرين اي السنّة وسواء كانوا من اصول تركية او كردية؟ وأليس صحيحاً ان quot;نقزةquot; وإن خفيفة على الاقل حتى الآن قد اصابت علويي تركيا بعد وصول حزب اسلامي الى السلطة قبل اكثر من عشر سنين، ونجاحه في إضعاف الدور السياسي للحامي الفعلي للعلمانية اي الجيش، واضعاف احزابها باستقطاب جماهيرها التي اثقلتها الصفقات والفساد وتردي الوضع الاقتصادي في اثناء حكمها؟ وقد عبّرت جهات علوية او تنظيمات عن quot;نقزتهاquot; المشار اليها بتقدمها من quot;الحكم الاسلاميquot; وإن ديموقراطياً حتى الآن، بجملة مطالب quot;مذهبيةquot; تنصف العلويين.
اما السؤال الاخير والاكثر اهمية او بالأحرى الاكثر خطورة فهو: هل يشكّل علويو تركيا خطراً عليها في حال صار الحكم فيها quot;اسلامياًquot; مئة في المئة ومتخطياً العلمانية وكذلك الديموقراطية وحرياتها وتداول السلطة بواسطة الانتخابات الذي هو من ابرز سماتها؟ طبعاً لا يرتاح المتابعون انفسهم الى هذا النوع من الاسئلة، لكنهم يقولون ان حزب العدالة والتنمية الاسلامي الحاكم لا ينوي تأسيس دولة اسلامية اصولية ولا القضاء على الديموقراطية. ولكن في حال حصل ذلك فإن علويي تركيا لن يسكتوا، ولا بد ان يؤثر ذلك سلباً على اوضاعها. تركيا العلمانية تطمئنهم وهم جزء منها. اما تركيا الاسلامية الاصولية العنيفة والراديكالية فإنها تقلقهم بل تخيفهم. علماً، - يضيف - هؤلا المتابعون، ان الحزب الحاكم حالياً لا يتصرّف بخبث وليس عنده quot;اجندة مخفيةquot;، ولذلك فإنهم يستبعدون حصول اي شيء مقلق ومؤذ من جهته أو من جهة مواطنيه العلويين. وعلماً ايضاً ان ما يهم هؤلاء هو قضايا ثقافية ودينية تتعلق بمراكز العبادات. وقد حصل الاهتمام بها وسيستمر.
ماذا عن تركيا وايران، وعن تركيا ولبنان؟ وماذا عن تركيا وسوريا اذا دخلت quot;الجحيمquot;؟
التعليقات