تركي الدخيل


ملأ أسامة بن لادن العالم خوفاً ورعباً، كما ملأه أسئلة وتعجباً، بين أنصاره الذين يرون فيه رافع راية الإسلام، وبين أعدائه ومناهضيه الذين يرون أنه شوه صورة الإسلام. ربما نعلم الكثير عن بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، لكننا لا نعرف الكثير عن أسرار شخصيته الغامضة والخجولة كما يصفه من قابله من الصحافيين، لهذا فإن مقتله في 2 (آيار) مايو الماضي، أنهى بن لادن القائد، وفتح أسئلة لا تنتهي عن بن لادن الإنسان، عيشه ويومياته وحياته. ولعل العمل والجهد المميز الذي قام به الأستاذ الصحافي مصطفى الأنصاري جاء لافتاً، ممثلاً في مؤلفه الجديد: laquo;في قلب بن لادن-الرجل والعائلةraquo; الذي ضم مذكرات سعد الشريف ولقاءاته وأحاديثه، وهو الذي يعتبر laquo;نصف أسامةraquo;، إذ كان قريباً جداً منه، ما كشف عن أسامة اللغز، وقدم كتاباً قيماً وممتعاً.
يقول الأنصاري: laquo;ستقول من هو د. سعد الشريف هذا، حتى تُكتب سيرته أو تُقرأ؟ كاتب هذه المذكرات مثلك تماماً، طرح هذا السؤال قبل أن يكتشف أنه أمام بن لادن، أو laquo;نصف أسامةraquo; كما أطلق عليه، فهو صديق طفولته، رفيقه في السلاح والجهاد والتشرد، كلاهما متزوج بكريمة الآخرhellip; ومع ذلك ملأ النصف الأول كل الكون شهرةً وإثارةً ونجومية، وظل النصف الآخر عصياً على أي ضوء، ضد أي شك، قاطع العدسات والعناوين بكل أنواعها، ونزيد أكثر: laquo;كان أقرب إلى أسامة من عبدالله عزام، ومن أبي حمزة، وأبي حفص، والظواهري وأبي الغيث، بل كان أقرب إليه من أشقائه وإخوانه وأبنائهraquo;.
هذا الكتاب ليس مذكرات للشريف فقط، وإنما مذكرات للنصفين، لأسامة والشريف معاً، ولكن على لسان الشريف، وبصياغة وعذوبة أسلوب مصطفى الأنصاري الصحافي النشيط، والذي حرص على تحبير الأسئلة واستنهاض الأجوبة، الكتاب ضم فصولاً خمسة، بدأها بالحياة والدراسة والصبا، والعيش في المدينة المنورة، وعلاقة الشريف وأسامة بالإخوان، ثم خصّ لرفقة السلاح والنسب بين بن لادن والشريف فصلاً مثيراً في المعلومات التي ضمها، يبين الكثير من الود والتلاؤم حد الفناء بين الشخصين، يبين الأفكار التي كانت تجول بخاطر أسامة، ثم يتحدث في طيات الكتاب عن الأخوّة والعداء وعن المواجهات الفكرية بين المقاتلين في أفغانستان، وعن النقاش حول المسائل الفقهية والفتاوى والسجال حول بن باز والشعراوي والترابي، إلى أن يصل إلى فصل laquo;تحت أستار الحرمينraquo; وشغل بن لادن في الشركة، الفصل الخامس هو الأكثر جاذبية ربما لأنه يحكي تفاصيل مقتل بن لادن من خلال رواية الشريف ورؤيته من الزاوية التي يراها وفق المعلومات التي لديه، تحدث في الفصل عن أسامة ومعارضته لجهاد النساء، وعن زوجة أسامة الدكتورة، وضم آخر الكتاب ألبوماً من الصور التي تحكي التاريخ لهذين الرجلين النصفين، أسامة والشريف.
إن قصة بن لادن بالنسبة إلى الصحافيين مثيرة وفيها الكثير من مناحي الجذب، هذا مع إيمانهم بكل الدموية التي ارتكبها وسوء الفكر الذي يحمله، الفكرة في الصورة والقصة والتفاصيل التي تحملها الحكاية. يهتمون به مثلما اهتموا من قبل بقصص ستالين أو هتلر أو صدام حسين أو عبدالله عزام أو الزرقاوي، إنها شخصية شديدة الغموض والوضوح معاً، الأكيد أن كتاب الأنصاري جاء مزيجاً من الصحافة والأدب بين الأسلوب الرائع والمعلومة المفيدة والمثيرة.
إنه كتاب ببساطة يحكي قصة بن لادن، قصة شخص ملأ الكون صخباً وضجيجاً، وبنفس الوقت ملأ الكتب أسئلة وأجوبة لحل لغز التاجر المقاتل الهارب الذي بقي سنوات طويلة المطلوب الأول للولايات المتحدةhellip; إنها قصة شيقة، رواية الشريف وتحبير مصطفى، تستحق القراءة والتأمل.