مبارك عبدالله الذروة

هل يمكن أن تنتهي ثورات الربيع لصالح الشعوب؟



عندما قام رئيس وزراء إيران آنذاك بتأميم النفط الإيراني ليعود خيره لشعبه وأمته ثارت ثائرة الغرب الأميركي والفرنسي بل وحتى الروسي، فحاولوا تأديب مصدق بإقالته لكن الشعب خرج معه بثورة ضد الشاه الذي هرب إلى إيطاليا.
هل انتهت القصة؟ كلا، لقد قام الأميركيون بعمل ثورة عكسية مرتدة ضد الإيرانيين الوطنيين، فحركوا الشارع ضده تماماً، كما حدث باليمن وسورية وليبيا... سيناريو واحد قديم منذ الخمسينات... ما عجل سقوط مصدق وإنهاء حياته السياسية بالسجن ثلاثة أعوام ثم الإقامة الجبرية إلى أن مات. وعاد الشاه إلى إيران رئيساً جديداً بدبابات أميركا لينهي تأميم النفط الإيراني ومنحه للعم سام!
ترى هل كان في إمكان الرئيس الشاه أن يعود إلى بلاده بعد ثورة رئيس الوزراء مصدق لولا الدعم الخارجي، ترى هل كان من المتوقع زوال حكم laquo;البعثraquo; العراقي وإعدام الطاغية صدام لو لم يقم بارتكاب جريمة غزو الكويت وتدخل القوى الخارجية، وهل كان من المتوقع التخلص من الملك غازي الذي هدد بانضمام الكويت، لولا خلافاته مع رئيس وزرائه نوري السعيد وتدخل الانكليز، وأخيراً هل كان الممكن نجاح المعارضة الفرنسية لولا حماية انكلترا لها واحتضانها إياها في لندن؟
أعود الى موضوع مهم سنتذكره جميعاً بعد ايام في غرة رمضان المبارك وهو الغزو الهمجي العراقي لوطننا المسالم الكريم. لقد استنكر العالم بأسره الظلم والعدوان، وقتل الأبرياء، وخرق القوانين الدولية وحقوق الإنسان... تلك الانتهاكات العراقية التي جمعت كل الكويتيين سنتهم وشيعتهم من دون النظر إلى هوية المعتدي الباغي ومذهبه!
كما أن الأميركيين الذين كانوا يساعدون المنكوبين والمظلومين في الأرض وقفوا مع الحق الكويتي وقفة كبيرة لا ينكرها عاقل، وإن تعددت المبررات والأسباب الداعية إلى ذلك، وهو التلاحم الذي انفك تجاه الشعب السوري!
اليوم يقف الشعب السوري ثائراً ضد نظامه مطالباً بإصلاحات جذرية في بنية النظام السياسي وهيكليته... ليس آخرها المشاركة السياسية وتغيير الدستور برمته! تقدمت الحكومة بمشاريع إصلاحية ربما تبشر بخير مستقبلاً، لكن اختراق الإصلاحات المرجوة تلك بانتهاكات أمنية ضد الشعب السوري الأعزل، من قبل الشبيحة والقناصة، والخطف العام، ونشر الرعب المبرمج، قد أفشل محاولات الرئيس بشار ومجموعات الإصلاح الأخرى.
يبدو لي أن هناك اتجاهات عدة تحاول خطف الموقف السوري المحلي الراهن لصالح أجندات خاصة... هناك مخلصون يريدون حفظ كيان الدولة نحو التغيير الدستوري ومعالجة مشاكل اجتماعية خطيرة عجلت قيام ثورة درعا والمناطق الأخرى، لكن أيضاً هناك منتفعون من بقاء الوضع كما هو عليه؛ فقيام حكم ديموقراطي بديلاً عن حكم الاستبداد كفيل بإنهاء وجودهم وسطوتهم ونفوذهم داخل سورية!
من هنا تتجه المعارضة السورية اليوم الى الخارج بحثا عن الدعم كما اتجه المنتفعون المستبدون أيضاً إلى الخارج! الاتجاه هنا نحو أصدقاء وحلفاء في الخارج يتم من قبل اخوة التراب والوطن، وهو إما لرفع الظلم والعدوان عن الأرض والشعب وإما أو على النقيض لمصالح اقتصادية وأمنية وسياسية!
وهذا ما فعلناه نحن الكويتيون يوم الإذلال العراقي الغاشم، لجأنا إلى الأصدقاء والحلفاء ومنظمات حقوق الإنسان، وقد كان للشعب السوري وقفة مشرفة لا تنسى. ولولا عناية الله، ثم طائرات الغرب وأميركا ومخازن السعودية لضاعت عروس الخليج كما ضاعت غيرها!
والولايات المتحدة الاميركية اليوم معنية بمد يد العون للثورات العربية كافة الصادقة في دعاواها كاليمن وليبيا وسورية، فالمصلحة المستقبلية لأميركا في هذا الاتجاه وإلا ستكون خارج أسوار الشرق الأوسط بعد أعوام!
وقد صرح هنري كيسنجر قبل أيام laquo;باستطاعتي تخيل انعزال متنام للولايات المتحدة بالمنطقة...raquo;. وعلل كيسنجر ذلك بسبب مواقف الأميركيين السلبية تجاه الثورات العربية الكبرى!
ترى هل هي نهاية المارد الأميركي؟ ربما!
لقد تبنت أميركا والغرب ثورة مصر وتونس وليبيا... لكنها وقفت ولا تزال حائرة أمام الشأن السوري، كما هو حال بعض الأنظمة العربية، ويوم تعلن ذلك بوضوح ستنساق الدول العربية كافة إلى ذلك...
المقصود أن ما لا يمكن تصديقه اليوم قد يصبح حقيقة واقعة غداً، وتجارب التاريخ تثبت ذلك لو كانوا يدركون.
فهل سنقول بعدئذ لو قام النظام السوري بسحب أجهزة الأمن وقتلة الناس في الشوارع ثم التوجه الصادق المسؤول نحو إصلاحات دستورية جذرية كتلك التي تمت بالفعل في المغرب، لو قام النظام السوري بذلك لما سقط إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم!
*
الكويت جميلة برجالها الأوفياء الذين يحملون الحب والخير والعطاء لخدمة ابناء شعبهم أينما كانوا. لا يتمترسون خلف كراسيهم او بين رتبهم ونجومهم، بل يخرجون إلى مواقع العمل وميدانه يفتشون عن النقص ويعالجونه، يراعون الكبير ويتلطفون مع الصغير، هؤلاء هم كويتيون حقاً... فكل الشكر والحب لرجال الداخلية في إدارة الجوازات والجنسية وربانهم الماهر النشط الكريم الاخ ابو عبدالله العقيد وليد غانم الغانم مدير إدارة الجوازات والجنسية، والعقيد ابو فهد عبد الرحمن الحقان ذو الأخلاق الدمثة على التعامل الحضاري والراقي ومراعاتهم لإخوانهم المواطنين.
*
وشكراً كبيرة للدكتور فهد الهاجري، ولسفيرنا في مدريد عادل العيار، وللأخ الفاضل في السفارة الكويتية باسبانيا مشاري النيباري على اهتمامهم ومساعدتهم العاجلة والمباشرة لإخوانهم المسافرين في اسبانيا...
هؤلاء هم الكويتيون حقاً، مخلصون في أعمالهم، لا يترددون في مد يد العون أينما كانوا، الكويت بهم جميلة... والكويتيون أهل لهذا الجمال.