سركيس نعوم

عادت الولايات المتحدة بعد مرحلة من quot;الهدوءquot;، الى مهاجمة الجمهورية الاسلامية الايرانية، بل الى تحميلها مسؤولية تجدد الاعتداءات على قواتها العسكرية الموجودة في العراق، وتالياً مسؤولية سقوط مزيد من القتلى والجرحى الاميركيين. وقد ورد ذلك على لسان اكثر من مسؤول سياسي وديبلوماسي وعسكري اميركي، الأمر الذي أوحى بعودة الحماوة الى الصراع الاميركي ndash; الايراني في العراق بعد مرحلة من التعاون الميداني فيه، وفي افغانستان، رغم استمرار الاختلاف الحاد حول الملف النووي. وقد أكد هؤلاء ان الميليشيات العراقية التابعة لايران هي التي تقوم بالاعتداءات الجديدة بناء على توجيهاتها وبواسطة اسلحتها. ومعظم هذه الميليشيات شيعي، لكن البعض منها سني ايضاً. وقد بدأ بعض الاميركيين الرسميين والباحثين تسليط الضوء على ذلك بالحديث علناً عن علاقة تعاون ثابتة بين طهران وquot;القاعدةquot; وعن وجود مكتب تنسيق في العاصمة الايرانية لهذه الغاية. كما ذكرت اسماء محددة تتولى هذه المهمة، وأفادت ان ذلك ثابت على الاقل منذ عام 2005.
ما هي اسباب تزايد quot;النرفزةquot; الاميركية من ايران؟ وما هي اسباب تفاقم quot;الحركشةquot; الايرانية بأميركا داخل العراق؟
يعيد عراقيون مطلعون على وضع بلادهم ودور اميركا وايران وغيرهما فيها، quot;النرفزةَquot; والتفاقم الى انسحاب القوات الاميركية من العراق الذي يفترض ان يكون دخل مراحله النهائية، وذلك تنفيذاً لاتفاق سابق بين واشنطن وبغداد صوّت عليه البرلمان العراقي بالموافقة، فأميركا تريد ان تُبقي قوات لها في العراق بعد انسحاب جيوشها منه يُقدَّر عديدها بنحو عشرة آلاف جندي تكون مهمتها التدريب والمساعدة في بناء القوات الامنية والعسكرية العراقية، وحماية المرافق الاميركية في العراق وخصوصاً الديبلوماسية والقنصلية منها. وتكون مهمتها ايضاً المحافظة على نوع من النفوذ في هذه الدولة التي بذلت من الدم والمال في سبيلها الكثير، يمكِّنها من الاستمرار في حماية مصالحها الحيوية والاستراتيجية، وفي مقدمها النفط، ويمكِّنها في الوقت نفسه من الحؤول دون تحول العراق محمية ايرانية تهدد الدور الاميركي في المنطقة كما تهدد دور حلفاء اميركا فيها من العرب، ونفوذهم، وربما انظمتهم. اما الجمهورية الاسلامية الايرانية، فانها تعرف ان بقاء قوات اميركية في العراق على نحو محدود يخدم مصالحها، وتعرف انها اكثر من استفاد من احتلال اميركا لافغانستان ثم للعراق عامي 2001 و2003. لكنها تعرف في الوقت نفسه ان علاقتها مع اميركا لا تزال شبه مقطوعة، وان العداء بينهما لا يزال متصاعداً فضلاً عن انعدام الثقة. وتعرف ايضاً ان العراقيين على تنوعهم، عرقيا وطائفياً ومذهبياً، ومعهم ممثلوهم في المؤسسات الدستورية والتنظيمات الحزبية، يريدون بقاء ما للقوات الاميركية في بلادهم خوفاً من مجهول خطير ما قد يكون ايرانياً او سعودياً او كردياً او .... لكن الفاعلين منهم اي غالبيتهم لا تجرؤ على الإقدام على خطوات عملية للتوصل الى ملحق للاتفاق الامني الذي نص على الانسحاب الشامل وينص على بقاء قوات محدودة، ربما بسبب الخوف من ايران او من quot;القاعدةquot; او من جمهورها او من تدهور أمني واسع قد يتحول حرباً أهلية. وتعرف ايران اخيراً ان العراق مهم جداً بالنسبة اليها وخصوصاً في هذه المرحلة ولذلك فإنها لن تفرط به طوعاً.
لماذا العراق مهم لإيران الى هذه الدرجة؟
المحور العراقي الذي تزعمته ايران، يجيب المتابعون انفسهم ضم، اليها، سوريا وquot;حزب اللهquot; واستطراداً لبنان وquot;حماسquot;، اي غزة. وكان مرشحاً لضم كيانات اخرى أو مناطق في كيانات اخرى. وكان في موقع قوة سابقاً. لكنه اليوم quot;محشورquot;. فسوريا الاسد في وضع لا تُحسد عليه. وايران لا تستطيع ان تنقذها رغم كل ما تقدمه اليها من نصائح واسلحة وارشادات وأموال، وquot;حزب اللهquot; قلق رغم قوته لأن سوريا الاسد الجارة منشغلة بنفسها، ولأن ايران بعيدة، ولأن التطورات المستقبلية قد تكون صعبة عليه كما على اخصامه. أما quot;حماسquot; فهي في النهاية اسلامية quot;سنيةquot;. وقد ظهر ذلك عملياً بغيابها عن مؤتمر دعم المقاومة الذي استضافته بيروت قبل اسابيع أو اكثر رغم وعدها بالمشاركة. وظهر ربما بامتناع أمينها العام عن الذهاب مباشرة الى قطر (داعمته) لإقناعها بتغيير موقفها المعادي لسوريا. وquot;حماسquot; قلقة ايضاً وتسعى الى ترتيب وضعها مع القوى العربية الجديدة الصاعدة. فضلاً عن ان ايران لا تزال مستهدفة اقليمياً واسرائيلياً ودولياً بسبب ملفها النووي وموضوعات اخرى. كل ذلك، يؤكد هؤلاء، يدفع النظام الايراني الى التمسك بالعراق الذي قد لا يبقى له غيره اياً تكن العواقب.