كتب: Abbas Milani -The National Interest
إن سخونة الوضع التي بلغت ذروتها في الشهر الماضي بالنسبة إلى أحمدي نجاد بدأت تتراجع، أقلّه في الفترة الراهنة، ويبدو أنّ الأطراف المعنية توصّلت بصعوبة إلى صيغة سلام معيّنة بعد المواجهة العاصفة الأخيرة بين الرئيس النافذ سابقاً وخامنئي الذي يزداد تسلطاً.
في هذه الأيام، تشهد طهران أياماً ساخنة، فقد أصبح من المألوف خلال الصيف أن يبدأ ldquo;بلطجيةrdquo; النظام بالتشدد في تطبيق القوانين الملزِمة في موضوع حجاب المرأة، تزامناً مع ارتفاع الحرارة وانطلاق موسم الصيف، وبحسب قول أحد أقوى رجال الدين الرجعيين في النظام، لا بد من إهدار الدم لإجبار النساء على ارتداء الحجاب.
لقد بدأ الارتفاع المفاجئ في عدد جرائم الاغتصاب بحق نساء إيران- تشمل بعض القضايا جرائم اغتصاب على يد عصابات- يتحول إلى قضية وطنية محرجة. لذا أطلق أعضاء المجلس تحقيقاً بالموضوع. يلوم بعض رجال الدين النساء على ما يحصل، على اعتبار أن سلوك الضحايا ldquo;المنفلتrdquo; وارتداء الأثواب ldquo;المفتوحةrdquo; هما السبب فيما تتعرض له النساء.
في المقابل، تحاول الحركات النسائية في إيران لفت انتباه الرأي العام الدولي تجاه ما يصيب النساء، فحين سيكتب التاريخ مستقبلاً عن نشوء النظام الديني الإيراني ثم انهياره، ستكون معركة المرأة في سبيل حقوقها أحد أهم مظاهر الحركة الديمقراطية، وسيعترف الجميع حينها بأن المرأة كانت في مقدمة المناضلين كونها كانت أشرس المدافعين عن الحرية الفردية.
وبالنسبة إلى أي مراقب خارجي للوضع، قد تبدو معركة النساء بهدف اكتساب حق إظهار جزء بسيط من شعرهنّ أمراً مضحكاً، لكن لطالما ارتبطت حرية الملبس تاريخياً بالحريات السياسية في أي مجتمع.
وهكذا تصاعدت الضغوط على النساء بسبب حرارة الصيف. غير أن سخونة الوضع التي بلغت ذروتها في الشهر الماضي بالنسبة إلى أحمدي نجاد بدأت تتراجع، أقلّه في الفترة الراهنة، ويبدو أنّ الأطراف المعنية توصّلت بصعوبة إلى صيغة سلام معيّنة بعد المواجهة العاصفة الأخيرة بين الرئيس النافذ سابقاً وخامنئي الذي يزداد تسلطاً.
وحين واجه أحمدي نجاد تهديدات بخلعه من جانب حلفاء القائد الأعلى في البرلمان والصحافة والحرس الثوري، لم يتقبل الرئيس الإيراني الموضوع بهدوء، الأمر الذي فاجأ منتقديه، فقرر مواجهة النار بالنار، وهدد بكشف الحقيقة عما يحصل في البلاد، فتحدث عن كسب عشرات ملايين الدولارات سنوياً نتيجة المتاجرة غير المشروعة بالسجائر الأميركية، وأكد أنّ ldquo;الإخوةrdquo; ndash; في إشارة إلى الحرس الثوري الإسلامي- لم يستطيعوا مقاومة إغراء الاستفادة من مصدر الدخل هذا.
وأضاف أن هؤلاء ldquo;الإخوةrdquo; يديرون عدداً من الموانئ غير الشرعية حيث يستوردون جميع أنواع السلع التي تدر عليهم أرباحا طائلة بحجة الحفاظ على الأمن القومي، حتى إنه هدد بإقفال نقاط العبور تلك، فرد الحرس الثوري الإسلامي بكل غضب وأنكر تورطه في أي تجارة غير شرعية.
كذلك، شعر خامنئي، الذي يبدي تصميمه على تدمير نفوذ أحمدي نجاد، بالقلق من أن تتعزز قوة المعارضة بسبب الخلافات العلنية داخل النظام، لذا حث الجميع على معالجة تلك الخلافات في المجالس الخاصة، أما بالنسبة إلى الرئيس الإيراني المتمرد، فقد قرر خامنئي، بحسب قول أحد أعوانه، ldquo;إصلاح أحمدي نجاد مع الإبقاء عليهrdquo;.
صحيح أن كلمة ldquo;إصلاحrdquo; تحمل معاني كثيرة، وتفتقر الكلمة الفارسية التي استُعملت لوصف ما سيتعرض له أحمدي نجاد إلى بعض التضمينات التي تحملها هذه الكلمة، لكن تبيّن أن أحمدي نجاد لن يتمكن من إنهاء السنتين المتبقيتين له في المنصب الرئاسي إلا في حال إبطال نفوذه بالكامل.
كذلك، كان خامنئي ldquo;يُصلحrdquo; مشاكل أخرى ويتعامل مع خصوم سياسيين آخرين أيضاً، فهو أدرك أكثر من أي وقت مضى حجم قوة الحرس الثوري الإسلامي الذي أسسه. صحيح أن الخميني، في شهادته السياسية الأخيرة (التي تُعتبر مقدسة من وجهة نظر النظام الإيراني)، حذر من تدخل القوات المسلحةndash; وتحديداً الحرس الثوري الإسلامي- في السياسة، وصحيح أن الدستور يمنع صراحةً حصول أي تدخل مماثل، لكنّ قادة الحرس الثوري تحدوا بكل جرأة تلك القوانين والتحذيرات في الأسابيع الأخيرة.
فهم لم يكتفوا بإعلان هوية الأشخاص المخوّلين المشاركة في الانتخابات المقبلة، بل هاجموا كل من تجرأ على التشكيك بشرعية مشاركتهم في العملية السياسية، وفي هذا الإطار، كتب محمد رضا خاتمي، فيزيائي تلقى تدريبه في بريطانيا وشقيق الرئيس الإصلاحي الأسبق، رسالة مفتوحة إلى قائد الحرس الثوري الإسلامي، فقال فيها إن تعليقاته على الانتخابات يمكن وصفها بكلمتين: ldquo;انقلاب عسكري!rdquo;.
وهكذا أطلقت مواقع النظام فجأةً هجوماً منظماً على خاتمي؛ ثمة مئات المواقع المماثلة وتستعين كل واحدة منها بلائحة من المسلحين المأجورين المستعدين لمهاجمة أي أحد في أي وقت. كان يجب أن يعمد خامنئي إلى طرد قائد الحرس الثوري (أو يوبخه علناً) بسبب تدخله بأمور تتجاوز صلاحياته. ولكنه لم يتفوه بأي كلمة بعد ولم يعبّر عن استيائه عبر حث أتباعه على التشكيك بفائدة هذا النوع من الخطابات السياسية التي يطلقها عناصر من القوات المسلحة.
هو يدرك، أكثر من أي شخص آخر، أنه ونظامه مدينان للحرس الثوري الإسلامي وجناحه الميليشياوي المتمثل بجماعة الباسيج. فهذه الأطراف هي التي تنشر جواً من الرعب في البلد بهدف التأكد من عدم تأثر الشعب الإيراني بأحداث سورية ومصر ومنعه من العودة إلى الشارع والمطالبة بحقوقه الديمقراطية.
على صعيد آخر، كان خامنئي يعمل على تقليص نفوذ رفسنجاني الذي كان صديقه المقرّب لأكثر من خمسين عاماً ولعب دوراً حاسماً في وصوله إلى منصب القائد الأعلى، فإذا ما راجعنا طريقة تعامل ستالين مع بوخارين في أيامه الأخيرة، حين قيل إن ستالين تلاعب ببوخارين المحاصر وتسلى به قبل القضاء عليه نهائياً- ترد هذه القصة بأسلوب مبهر في السيرة الذاتية التي كتبها ستيفن كوهين عن بوخارين- سنلاحظ أن خامنئي سمح، في الأسابيع الأخيرة، بتكثيف الهجوم على رفسنجاني في بعض المواقع الإلكترونية المقربة من معسكره.
فقد نُشرت وثيقة مؤلفة من 200 صفحة تقريباً ترد فيها ldquo;خطاياrdquo; رفسنجاني السابقة، وتذكر كل ما فعله بدءاً من تعاونه السري مع أعضاء نظام الشاه ووصولاً إلى ldquo;مغازلةrdquo; الولايات المتحدة، وحتى المشاركة في أعمال إرهابية. إلى جانب هذا الهجوم الشرس، عمد خامنئي إلى تجريد رفسنجاني من آخر مصدر نفوذ تبقّى له كرئيس لمجلس تشخيص مصلحة النظام.
كان الخميني هو من أنشأ هذا المجلس لحل الخلافات بين فروع النظام الثلاثة، فبدل طرد رفسنجاني، في خطوةٍ كانت ستبيّن وجهاً آخر من التوتر السائد داخل النظام، ارتكز خامنئي على مادة مبهمة من الدستور لإنشاء لجنة جديدة مكلّفة بحل الخلافات بين فروع النظام الثلاثة.
بعبارة أخرى، هو أنشأ نظاماً بيروقراطياً جديداً يجرّد رفسنجاني من جميع صلاحياته، وقد عيّن آية الله شهرودي- رجل دين مولود في العراق، كان أهم صلة وصل بين الخميني والمعارضة الشيعية العراقية طوال سنوات- مسؤولاً عن هذه اللجنة الجديدة.
أخيراً، أدى اغتيال عالِم شاب كان يعمل في مجال الفيزياء النووية في إيرانndash; فضلاً عن تجدد جهود روسيا لعقد اتفاق بين إيران والمجتمع الدولي- إلى تسليط الضوء مجدداً على برنامج إيران النووي.
كان من المقرر أن يبدأ تشغيل مفاعل بوشهر منذ سنة، لكن ما من مؤشر على أنه سيصح ناشطاً في أي وقت قريب، لقد أدت الفيروسات التي خرقت نظام الكمبيوتر الذي يتحكم بأجهزة الطرد المركزي إلى إحداث أضرار كبيرة في البنية التحتية النووية التابعة للنظام. من بين تلك الفيروسات (يُقال إنّها من تصميم الولايات المتحدة واسرائيل)، وحده الفيروس الأول، ldquo;ستاكس نتrdquo;، جذب الانتباه في الغرب.
ثم تحدث النظام الإيراني عن فيروس ثانٍ وزعم، كما فعل مع فيروس ldquo;ستاكس نتrdquo;، أن ldquo;جنود اللهrdquo; تصدوا فوراً لهذا الاعتداء ldquo;الأميركي الصهيونيrdquo; الجديد.
لم تحقق الجهود الروسية أي نتائج حتى الآن، فقد كررت طهران موقفها المعهود وأصرّت على أنها لن ترضخ لقرارات الأمم المتحدة التي تطالب إيران بوقف نشاطات التخصيب، لكن مع تدهور الوضع الاقتصادي داخل البلد والاستعداد لفرض عقوبات جديدة من جانب واشنطن وحتى الأمم المتحدة، ومع تراجع قوة الرئيس السوري- حليف النظام الوحيد في المنطقة- يبدو أن طهران ستشهد صيفاً طويلاً وساخناً!
التعليقات