سعد بن طفلة العجمي

المظاهرة التي تنادى لها من يسمون أنفسهم quot;إسلاميينquot; قبل أيام بالقاهرة، تكشف حقائق عن طبيعة الصراع المصري القادم. من يسمون أنفسهم إسلاميين، حشدوا ما قالوا إنه مليون أو أقل أكثر للمطالبة بالدولة الدينية. المعروف أنهم -باستثناء الإخوان المسلمين- لم يشاركوا بثورة يناير التي أطاحت بحكم الرئيس حسني مبارك، بل راحوا يوزعون quot;الفتاوىquot; بتحريم الخروج على الحاكم، وينظرون بعيداً عن آهات الشعب المصري الذي دفع شهداء وتضحيات للتغيير والثورة، ولم يكن بين شعارات الثورة الشعبية حينها أية مطالبات بالدولة الدينية وتعديل مادة دستورية بعينها أو بقائها جامدة مثلما يطالب quot;إسلاميوquot; مصر هذه الأيام، ببقاء المادة الثانية من الدستور المصري دون تعديلها.

ومن حقائق مظاهرة التيار الديني السياسي الانتهازية الرخيصة، ومحاولة اختطاف مبادئ الثورة بالحرية والكرامة والديمقراطية ومحاربة الفساد، إلى شعارات عاطفية مبهمة لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، ولا يمكن أن تأتي بالتعايش السلمي بين أديان مصر ومذاهبها المتعددة.

quot;الإسلاميونquot; طالبوا بالدولة الدينية، فماذا لو طالب المسيحيون بدولة دينية أيضاً؟ وأي مذهب للدولة الدينية يريد إسلاميو مصر: الخلافة أم ولاية الفقيه؟ من سيحدد أهل الحل والربط في حالة الخلافة؟ ومن سيكون الولي الفقيه في حالة الأخذ بنظرية ولاية الفقيه؟ وماذا عن الأقليات الأخرى؟ وما مصير المسيحيين؟ هل سيدفعون الجزية في مصر الدينية؟ أم سيكونون مواطنين متساوين بمواطنتهم مع بقية أبناء شعبهم أمام قوانين دولة مدنية لا تفرق بين مصري وآخر حسب دينه أو مذهبه؟

ثمة جدل يدور في أوساط quot;الإخوان المسلمينquot; في مصر، وهو جدل بين جيلين، وجدل بين عصرين، جيل لا زال يتمسك بأطروحات البنا وقطب في العنف وفرض الدولة الدينية التي تميز بين مواطني مصر على أساس ديانتهم ومذاهبهم، وجيل يريد التعايش مع المتغيرات ومع واقع لا يمكن له أن يتلاءم مع أطروحات المدرسة القديمة. والواضح أن الحرس القديم لـquot;الإخوانquot; هو الأقوى، وإن كان الجيل الجديد أكثر اقناعاً وجذباً للتأييد بين أوساط المصريين quot;العاديينquot; الذين لم ينحازوا بعد في مصر التي تتسابق التيارات السياسية على تشكيلها.

واقع الحال يقول إن المؤسسة العسكرية الحاكمة في مصر لا زالت مهيمنة بامتيازاتها وقوتها ونفوذها، وهي مؤسسة تخلصت من رأسها -حسني مبارك، لكنها لم تتنازل عن هيمنتها، وهي مستعدة للتحالف مع أية قوى جديدة ودعمها من أجل الحفاظ على سطوتها وسيطرتها، وإن تطلب الأمر شكليات مواد دستورية، أو شعارات دينية quot;لزومquot; التحالف مع قوى الدين السياسي. هذه القوى الدينية السياسية على استعداد للدخول في مواجهات مع القوى المدنية المصرية، لتحجيم الحريات العامة باسم الدفاع عن الأخلاق والقيم والدين، وعلى استعداد لأن تفرض شكلاً للدولة الدينية باسم الحفاظ على هوية مصر الإسلامية، وهي هوية إسلامية لم تتعرض طوال حقب التاريخ المصري للخطر، ولم يتخل عنها الشعب المصري قيد أنملة، فهي في ضمائر الناس وفي حياتهم اليومية وسلوكهم المعتاد، لكن قوى الدين السياسي ستدخل في معركة مع القوى المدنية متحالفة مع مؤسسة عسكرية ستفعل كل ما في وسعها للمحافظة على امتيازاتها التي راكمتها على مدى ستين عاماً.

إن اختطاف منجزات الثورة في مصر، وتحويلها لدولة دينية يعني التحول من ديكتاتورية العسكر لديكتاتورية الدين السياسي، ودخول مصر في مواجهات الغالبية مع قوى قليلة العدد، وقوية العدة والتنظيم، تريد أن تفرض نمطاً من أنماط الحياة على الناس باسم الدين، وهو أمر يعني العودة بالثورة إلى ما دون الصفر وما قبل اندلاعها والتحضير لثورة مصرية جديدة.