كتب: Masoud Shafaee - World Politics Review
صحيح أن الانتفاضات الإقليمية أقلقت إيران وشكلت الدافع وراء أكبر تظاهرات نفذتها المعارضة في طهران منذ أكثر من سنة، إلا أن الربيع العربي حمل لإيران أيضاً مكاسب استراتيجية. ففي مصر، ما عاد الرئيس السابق مبارك، الذي اقُتبس عنه ذات مرة قوله إنه يكن ldquo;كرهاً عميقاًrdquo; للجمهورية الإسلامية، يشكّل شوكة في خاصرة الملالي.
في حين هزت إيران تظاهرات كبرى في يونيو عام 2009 عقب الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل، التي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد، راح القادة العرب في المنطقة يراقبون تطور هذه الأحداث بمزيج من الحذر والرضا. فبعد أن أقلقتهم محاولات إدارة أوباما التقرب من الجمهورية الإسلامية، توقع كثيرون بحماسة أن تخرج إيران من هذه الأزمة أكثر ضعفاً وعزلةً على الصعيد الدولي. وقد أصابوا في معظم توقعاتهم هذه.
بعد نحو سنتين، نرى الإيرانيين اليوم يراقبون عن كثب الانتفاضات وعمليات القمع العنيفة، التي هزت العالم العربي. صحيح أن طهران امتنعت في البداية عن التدخل، إلا أنها لم تعد قادرة على الحفاظ على صمتها، خصوصاً بعد انتشار عدوى التظاهرات في أنحاء المنطقة المختلفة، وقمعها هي بدروها حركتها الخضراء المعارضة. لذلك، سعت لتصوّر هذه الأحداث على أنها جزء من ldquo;صحوة إسلاميةrdquo; أكثر شمولاً. لكن طرحها هذا لم يقنع كثيرين.
صحيح أن الانتفاضات الإقليمية أقلقت القيادة الإيرانية وشكلت الدافع وراء أكبر تظاهرات نفذتها المعارضة في طهران منذ أكثر من سنة، إلا أن الربيع العربي حمل لإيران أيضاً مكاسب استراتيجية. ففي مصر، ما عاد الرئيس السابق حسني مبارك، الذي اقُتبس عنه ذات مرة قوله إنه يكن ldquo;كرهاً عميقاًrdquo; للجمهورية الإسلامية، يشكّل شوكة في خاصرة الملالي. نتيجة لذلك، شهدت العلاقات بين طهران والقاهرة تحسناً ملحوظاً منذ سقوط مبارك، حتى إن مصر سمحت لسفينتين حربيتين إيرانيتين بعبور قناة السويس للمرة الأولى منذ عام 1979. علاوة على ذلك، سيشكل تنامي العلاقات الودية بين هذين البلدين مصدر قلق لإسرائيل، عدو إيران اللدود، وسيقوض محاولات الدولة اليهودية عزل إيران.
في ليبيا المجاورة، حالت الفوضى والاضطرابات دون وصول نحو 140 مليون برميل من النفط الخام إلى الأسواق العالمية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط. وبما أن مبيعات النفط تشكل 60 في المئة تقريباً من الموازنة الإجمالية للحكومة الإيرانية، سعت طهران للاستفادة من تقلبات السوق الحالية لتملأ خزائنها الحكومية. نتيجة لذلك، تعهدت المملكة العربية السعودية، منافسة إيران العربية الرئيسة، بأن تعمد بمفردها إلى زيادة إنتاجها بهدف سد الطلب العالمي. لربما هدأت هذه الخطوة السعودية مخاوف الغرب، إلا أنها سلطت أيضاً الضوء على الضغوط المتزايدة التي يمارسها الربيع العربي على العلاقات السعودية-الأميركية. فضلاً عن ذلك، ساهمت قوى مجلس التعاون الخليجي، الذي ترأسه المملكة العربية السعودية، في دعم الحكومة في البحرين للتصدي للتظاهرات في شهر مارس. وقد عاد ذلك بالفائدة على الدولة الإسلامية، نظراً إلى الروابط التاريخية التي تجمع إيران بالغالبية الشيعية المقموعة في البحرين.
ولكن رغم كل المكاسب العابرة التي حملتها الصحوة العربية لإيران، منيت هذه الأخيرة بخسائر جيو-استراتيجية أكبر بكثير. على سبيل المثال، عطّلت الثورة المصرية محاولات إيران تصوير نفسها في الشارع العربي على أنها القوة الإقليمية الوحيدة المستعدة للتصدي لإسرائيل، التي لا تنصاع للولايات المتحدة. فقد وقعت أخيراً ldquo;حماسrdquo;، السلطة الحاكمة في قطاع غزة وأحد حلفاء إيران، اتفاق وحدة مع منافستها ldquo;فتحrdquo; في الضفة الغربية. ولعب دور الوسيط في هذا الاتفاق وزير الخارجية المصري في حقبة ما بعد مبارك. كذلك، أنهت القاهرة بعدئذٍ حصارها لغزة، الذي دام أربع سنوات، فاتحةً حدودها المشتركة مع هذا القطاع. وتشير هذه التطورات إلى تنامي دور مصر كراعٍ رئيسٍ للقضية الفلسطينية، دور يضر بالتأكيد بالمصالح الإيرانية.
بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن التوتر بين إيران والمملكة العربية السعودية سيتراجع في المستقبل القريب. على العكس، مُنيت طهران بخيبة أمل، حين نجحت الرياض في التعامل مع الربيع العربي، معيدة في الوقت نفسه تأكيد نفوذها في المنطقة، وخصوصاً في البحرين. فقد بلغت الانتفاضة الكبيرة، التي قادتها الغالبية الشيعية في البحرين في شهر فبراير، نهاية مفاجئة، حين دخلت قوات مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية المنامة بعد شهر، مدمرة بذلك طموحات المتظاهرين السياسية والاجتماعية، فضلاً عن خطط إيران لإقامة دولة خاضعة لنفوذها في الجهة المقابلة من الخليج العربي.
لننتقل إلى سورية، حليفة إيران الرئيسة في المنطقة. لا يملك هذان البلدان اتفاق دفاع مشترك فحسب، بل تجمعهما أيضاً روابط طائفية بين الثيوقراطية الشيعية الإيرانية ونظام بشار الأسد الشيعي العلوي، الذي يسيطر على سورية، علماً أن ثلاثة أرباع سكانها من السنّة. فضلاً عن ذلك، تشكل سورية وسيلة بالغة الأهمية تستخدمها إيران لدعم ldquo;حزب اللهrdquo;، ميليشيا خاضعة لنفوذها في لبنان. يعتمد هذا الحزب اعتماداً كبيراً على إيران، التي تمده بالسلاح والمال. ولا شك في أن أي تغيير في المشهد السياسي السوري سيشكّل ضربة قوية له وللجمهورية الإسلامية. وبما أن احتمال تعزيز التمثيل الشيعي في البحرين تبدد في الوقت الراهن وسورية تعاني اضطرابات خطيرة، فسيحد أي إضعاف لـrdquo;حزب اللهrdquo; من آمال الدولة الإيرانية في تحقيق صحوة شيعية إقليمية.
تعلل هذه التطورات قرار طهران تقديم دعمها الدبلوماسي الكامل لدمشق رغم قمع الأسد المتظاهرين بطريقة دموية. كذلك، مدّت إيران القوى الأمنية السورية بالمعدات والخبرات التقنية. فأدت هذه الخطوة إلى عقوبات أميركية وأوروبية من جهة، وإلى حرق العلم الإيراني في أنحاء سورية المختلفة من جهة أخرى، رغم أن هذا المشهد بدا مستحيلاً قبل ستة أشهر. وإذا سقط الأسد، فستبقى إيران الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تتبنى سياسة صارمة مناهضة للصهيونية. وبعد تصنيف طهران الانتفاضة السورية بأنها ldquo;عمل بشع يقدم عليه غربيونrdquo;، ستواجه بالتأكيد صعوبة كبيرة في رأب الصدع في علاقاتها مع أي حكومة سورية مستقبلية، خصوصاً مع تفاقم حصيلة القتلى بين المدنيين السوريين منذ انطلاق التظاهرات في شهر مارس.
نشهد كل هذه التطورات في وقت بلغت فيه الصراعات السياسية الداخلية في إيران حداً غير مسبوق وصار مستقبل هذا البلد الاقتصادي أشد سواداً. وفيما يقترب نظام القذافي، على ما يبدو، من نهايته ويغرق الأسد تدريجياً في مأزق يصعب الخروج منه، قد تكون المنطقة على شفير تبدّل جذري آخر. وإذا حدث هذا التبدّل، فسيُضطر ملالي إيران الحاكمون إلى العمل بكد لضمان استمرارهم السياسي في إيران، بدلاً من الانشغال بما حققوه من مكاسب جيو-سياسية في الخارج.
* محامٍ ومحلل لشؤون الشرق الأوسط مقره في العاصمة واشنطن. يحمل شهادة دكتوراه في القانون من كلية واشنطن للحقوق في الجامعة الأميركية وشهادة ماجستير في الشؤون الدولية من كلية الخدمات الدولية. فضلاً عن مشاركاته فيWorld Politics Review، كتب في Guardian ،Huffington Post،
وWashington Prism، مطبوعة إنكليزية-فارسية ينشرها معهد الأمن العالمي. كما أن له مدونة The Newest Deal، التي تغطي التطورات الإيرانية وتحللها.
التعليقات