محمد صالح المسفر

أحضروه مخفورا على فراش الموت، مريضا أو يتظاهر بالمرض من أجل تجييش مشاعر تعاطف شعب مصر العظيم الذي أسقطه ونظام حكمه دون أن يطلقوا طلقة واحدة على جيش أو شرطة أو حتى على بلطجية النظام. حاول ابناه علاء ـــ الذي يحمل بيده المصحف الشريف متجاهلا قول الحق عز وجل quot; لا يمسه إلا المطهرونquot; ـــ وجمال أن يحولا بينه وبين كاميرات التصوير ووسائل الإعلام حتى لا تظهر انفعالاته أمام الخلق وهو يسمع ما لم يسمعه من قبل.
تسمرت أمام شاشة التلفاز أتابع خطوة بخطوة أعظم حدث في تاريخ مصر المعاصر بعد ثورة 25 يناير وهو أن شعب مصر استطاع أن يجلب جلاديه إلى ساحة القضاء المدني ليحاسبهم على ما فعلوا بمصر خلال ثلاثة عقود من الزمن، رأيت بلطجية النظام المنهار وهم يصطدمون بشباب الثورة الذين أتوا ليشهدوا أول إنجازاتهم بجر فرعون مصر الجديد إلى قفص الاتهام، رأيت طائرة الهليكوبتر التي حملته من مطار ألماظة إلى فناء أكاديمية الشرطة، رأيت الإسعاف الذي حمله إلى المدخل الخلفي لقاعة المحكمة التاريخية، رأيته على سرير الموت في قفص الاتهام، وقفت أنادي بأعلى صوتي quot; الله أكبر، الله أكبر على من طغى وتجبر، الله أكبر على كل من أهان شعبه من الحكام، حقا لكل ظالم نهاية مزلزلة quot; وأتمنى على ثوار مصر أن تودع طائرة الهليكوبتر وسيارة الإسعاف وسرير الموت الذي يرقد عليه حسني في متحف ثورة الشعب ليكون عبرة لكل حاكم مصري أو عربي.
رحت أستدعي من الذاكرة لحظة دخول الرئيس الشهيد صدام حسين إلى قاعة المحكمة لمحاكمته من قبل العملاء والخونة الذين أتى بهم الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق رأيته رغم آلام التعذيب النفسي والجسدي الذي لحق به في المعتقل إلا أنه وقف رافع هامته متمالك القوى لم يتذرع بآلامه القاسية ليقعد على كرسي متحرك أو يتمدد على سرير طبي. كان المدعون على الرئيس صدام رحمه الله وشهودهم يتحدثون إلى قضاة محكمة الخيانة من وراء حجاب لأنهم كاذبون ويخشون الانتقام من شعب العراق طال الزمن أم قصر، بينما المدعون على حسني مبارك وزمرته وشهود الإثبات كلهم يتحدثون دون أقنعة سوداء أو من وراء حجاب لأنهم على حق.
(2)
بعض العواصم العربية بذلت جهودا مضنية لدى المجلس العسكري الحاكم في مصر لتجنب محاكمة حسني مبارك أو الإساءة إليه وإلى أبنائه بأي تهم تحط من مكانتهم، تفازعت تلك الأنظمة لإنقاذ مبارك من غضب شعبه لأنه وقف مع تلك الأنظمة لاستدعاء جحافل الجيوش الغربية وغيرها للنيل من العراق عام 1991 وأخيرا احتلاله عام 2003. لم يمانع في احتلال إسرائيل لجنوب لبنان عام 1982، ولم يناصر الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1988 والثانية المعروفة بانتفاضة الأقصى، ولم يمانع في الهجوم الإسرائيلي على غزة عام 2006 بل أمعن في حصارها لصالح إسرائيل، ولم يُعن الجهود المبذولة من قبل بعض العواصم العربية لإيجاد حل لمشاكل السودان بل على النقيض غض الطرف عما يجري في جنوب السودان الأمر الذي أدى إلى انفصاله عن شماله وستدفع مصر الثمن غاليا لذلك الانفصال.
في عهده طلع من أرض مصر العزيزة أكثر من 35 ألف طلعة جوية بطائرات أمريكية لضرب العراق وتدمير بنيته التحتية، وعشرة آلاف طلعة جوية أمريكية في حرب الصومال (جريدة العربي، مصر 8 / 7 / 2001) قد أتفهم تواطؤ دول الخليج مع أمريكا في هذا الشأن رغم رفضي له، لكنني لا أستطيع أن أفهم دور مصر في ذات الشأن.
(3)
إسرائيل تصف مبارك بأنه الجار الطيب وأنه نجح في كل الاختبارات التي وضعتها إسرائيل. يصفه الإرهابي نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل بأنه الصديق العظيم لإسرائيل يطالب الإسرائيليون اليوم حكومتهم بإطلاق اسم حسني مبارك على أحد أحياء مدينة حيفا وسبقه إلى ذلك أنور السادات صاحب الخيانة العظمى اعترافا لهما بالجميل وتقديرا لمواقفهما لنصرة إسرائيل في كل حروبها على عالمنا العربي من احتلال جنوب لبنان إلى احتلال العراق إلى تدمير غزة إلى انفصال جنوب السودان إلى تفتيت وحدة الصومال.
تذكروا معي يا سادة هتافات صدام حسين رحمهالله قبل أن يشنقه الجلاد بلحظة وقف شامخا يهتف بحياة العراق والعرب وفلسطين في الوقت الذي يقف حسني معينا لإسرائيل في عدوانها على لبنان وفلسطين وحتى سوريا الجريحة اليوم.
آخر القول: نذكّر حكام العرب، لن تنفعكم جحافل أمنكم ولا جيوشكم ولا أموالكم ولا فساد ذممكم وبطاناتكم ولا جيوش الدول الأجنبية وجبروتها. ما ينفعكم فقط عدلكم، وحرصكم على حفظ كرامة شعبكم، وحمايتكم له بأبنائه من أي معتد أثيم، وحفظكم لحقوقه دون تفريط. إن شعبكم هو الذي سيحميكم إن أحسنتم صنعا، والعاقبة للمتقين..