هآرتس


كم من الوقت سينتظر المتظاهرون السوريون الى أن تتفضل الولايات المتحدة وحليفاتها في الغرب بالتدخل في المجزرة البطيئة؟ ما هي تلك الكتلة الحرجة من القتلى التي ستقرر 'الجماعة الدولية' بعدها العمل؟ حينما يكون الحديث عن زلزال، تُدفع كل دولة الى مقدمة الصف لتسجل لنفسها أن قواتها ساعدت في انقاذ مصابين؛ وحينما كان الحديث عن آلاف قتلوا في دارفور دخلت تلك 'الجماعة' في سبات عميق الى أن هبت للمساعدة.
وفي سورية ما يزال مقياس الدم لا يثير الاهتمام. إن التنديد والتوبيخ والقليل من العقوبات الضعيفة كل ذلك يُبين لبشار الاسد انه ما يزال بعيدا عن الخطر. سارعت واشنطن الى تجنيد تحالف عسكري على معمر القذافي، ودعت حسني مبارك الى ترك كرسيه، وهي تُدبر في اليمن لمنع عودة علي عبد الله صالح الى صنعاء. وماذا في سورية؟ ما تزال الجملة الرئيسة 'يجب على الاسد أن يمضي' ناشبة في حلقها.
ليست التفسيرات العقلانية لضبط النفس الامريكي وهي: الخوف من رد ايران، والطموح الى الامتناع عن منح ثورة شعبية مظلة غربية لئلا تُمس شرعية الثوار، والاهتمام بمكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط اذا دُفعت الى جبهة جديدة بعد العراق وافغانستان ليست بلا قيمة. لانه يجب على واشنطن في الحقيقة أن تفكر ايضا في 'اليوم التالي'. لكن تفهم تقديرات 'اليوم التالي' يُحل 'يوم الحاضر' الفتاك.
ليس السوريون وحدهم هم الذين أدركوا جيدا أن واشنطن تفضل موقف المراقب. فاعلان محمود عباس بأنه ينوي أن يقدم في العشرين من ايلول طلبا رسميا الى الامم المتحدة للاعتراف بفلسطين على انها دولة مستقلة، يشهد مثل ألف شاهد بأن الفلسطينيين يئسوا من تدخل امريكي فعال ينقل اسرائيل عن مواقفها. ولم ينجح الفلسطينيون في أن يستخلصوا أي خطوة عملية من خطب رؤيا باراك اوباما لا تجميد المستوطنات ولا رسم حدود حتى ولا دعوة الى البيت الابيض، فيبدو أن عباس يدرك مثل سورية أن واشنطن ستترك للواقع أن يفعل فعله في حين تنتظر 'اليوم التالي'.
قرر عباس وبحق أن يتجه الى الامم المتحدة. فقد أدرك ان التصرف الأحادي لا يمكن ان يبقى حكرا على اسرائيل. وهذه الخطوة قد تضطر واشنطن الى اتخاذ قرارات نجحت في التهرب منها حتى الآن، فضلا عن أنه لا يوجد لديه ما يخسره. فعلى سبيل المثال هل تستطيع أن تواجه قرار أكثرية كبيرة من اعضاء الامم المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطينية؟ وكيف ستُفسر ادعاءها أن دولة بالتفاوض أفضل من دولة بمبادرة من طرف واحد؟ وماذا فعلت الولايات المتحدة حتى الآن كي يُجرى هذا التفاوض؟.
ولنفرض أن الولايات المتحدة استمرت في التمسك بتوجه يناقض سياستها تلك التي ترفع علم 'دولتين للشعبين' وعارضت الاعتراف بدولة فلسطينية. فهل ستؤيد ايضا عقوبات تفرضها اسرائيل على تلك الدولة؟ وهل ستستطيع في المقابل ايضا أن تحمي اسرائيل من عقوبات تُفرض عليها؟ هذا هو 'اليوم التالي' المتوقع لواشنطن اذا لم تعترف بدولة فلسطينية، ولم نقل شيئا حتى الآن عن الانتفاضة المتوقعة في فلسطين اذا رُفض الاستقلال.
ان واشنطن، التي جُرت حتى الآن وراء اسرائيل، غيرت وجهها وهي تجد نفسها ملزمة أن ترد على مبادرة فلسطينية ترمي الى سلب الولايات المتحدة تفردها في علاج الصراع الاسرائيلي العربي. وفي نفس الوقت تتلقى الامم المتحدة التي لم تلعب قط دورا ذا شأن في حل الصراع حبة بطاطا ملتهبة، وهي بالقرار الذي ستتخذه ستلزم الولايات المتحدة سواء أرادت ذلك أم لم تُرد.
إن اسرائيل، التي لا ترى إزاء ناظريها سوى سيناريو يقوم به الفلسطينيون بانتفاضة ثالثة، تستعد لذلك كما يتم الاستعداد لمظاهرات جماعية. والجيش الاسرائيلي، لا الساسة، مستعد كالعادة لكل امكانية. لكن الانتفاضة التي يُشك في ان تحدث ستكون أقل اهتمامات اسرائيل فقط. فمجرد قدرة سلطة فلسطينية، ليست دولة على الالتفاف على القوة العظمى وأن تفرض عليها 'اليوم التالي' ستحدد في نهاية الامر ايضا مكانة اسرائيل من الولايات المتحدة ومكانة واشنطن في المنطقة. إن العملاق الامريكي الذي يرفض علاج سورية، والذي يبدي عدم اكتراث لما يحدث في المناطق، أخذ يفقد حديقته.